أشرت في نهاية مقال الثلاثاء (التعليم العالي و»التفكير الإستراتيجي الناجح») إلى أن الشواهد والأمثلة على تحقق النجاح في أعمال وزارة التعليم العالي جراء انتهاج ربانها وقادة مسيرتها التفكير الإستراتيجي العميق واعتمادهم التخطيط المستقبلي المدروس.. ومن بين مئات الشواهد الحاضرة والحية التي عايشتها عن قرب منذ لحظة التأسيس وحتى موعد التخرج «المسار الأكاديمي للدفعة الأولى من طلاب كلية الطب في جامعة حائل».
لقد جاء معالي مدير الجامعة السابق الأستاذ الدكتور أحمد السيف منتصف عام 2007 م وهناك كليات صدرت موافقة مجلس وزارة التعليم العالي على افتتاحها ولكن ولأسباب كثيرة لم تتأسس بعد، وعلى رأس هذه الكليات وأهمها على الإطلاق «كلية الطب»، ونظراً لأهمية وجود هذه الكلية النوعية، ولحاجة السوق السعودي لمخرجات الكليات الصحية عموماً والطب على وجه الخصوص، وللرغبة الجامحة من قبل طلاب المنطقة دراسة هذا العلم التخصصي العزيز، لذلك كله بادرت إدارة الجامعة بافتتاح هذه الكلية مع مطلع العام الجامعي 2008م مستعينة بعد الله بفريق أكاديمي متخصص من جامعة الملك عبد العزيز بجدة، ومادةً جسور التواصل الأكاديمي مع كبريات الجامعات العالمية والمستشفيات السعودية التخصصية للتدريس والتدريب، وهاهي أول دفعة من أبناء وبنات منطقة حائل يحتفلون بتخرجهم إلى ميدان العمل بعد أن أمضوا ست سنوات داخل أروقة كليتهم المتميزة التي يديرها باقتدار الزميل العزيز الأستاذ الدكتور عودة الحازمي.
لقد شَرُفت بالتدريس لهذه الدفعة، وأذكر أنني قلت لهم ولهن في أول محاضرة دخلت عليهم إنني سعيد أن التقي بكم وأتمنى أن لا يبخل علي أحد منكم في علاجي أنا وعائلتي يوماً ما، فعمّا قريب ستكونون أطباء وفي تخصصات مختلفة تخدمون وطنكم وتعالجون من يحتاج إلى خدماتكم من مواطن أو مقيم أو حتى زائر، وكانت ردة الفعل ضحكات خجلاً والتفات بعضهم لبعض، وكأن هذا الأمر ما زال حلماً يدغدغ مشاعرهم، يفصلهم عنه زمن طويل ويحتاج منهم حتى يتحقق إلى جد واجتهاد قد يكون ليس بمقدورهم أن يحققوه، وتمضي السنوات الست سريعاً وهذه الكلية وغيرها من الكليات النوعية في هذه الجامعة الناشئة تنمو وتترعرع وتسقى بماء العطاء والنماء من قبل إدارة الجامعة ممثلة بمعالي مديرها الأستاذ الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم ووكلائها وعمدائها، وتأتي ليلة التتويج التي طالما انتظرناها جميعاً لنرى حائل تفرح بأبنائها في أول دفعة من خريجي الطب.
لقد كان مساء يوم الثلاثاء الماضي الذي رعى فيه صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبدالعزيز أمير منطقة حائل تخريج دفعة جديدة من طلاب الجامعة ليس ككل المساءات.
جلست ليلة التتويج هذه أتفرس بصورة التقطت لهذه المجموعة من الأطباء عام 2008م مع سمو أمير المنطقة ومعالي وزير التعليم العالي ومعالي مدير الجامعة آنذاك وعميد كلية الطب، وأتذكر بعضاً من الكلمات التي سمعوها من هؤلاء القادة عن المستقبل الذي ينتظرهم في قادم الأيام القريبة بإذن الله، كنت أرقبهم وهم يؤدون «قسم الطبيب» وأعقد مقارناتي بين ما كان وما هم فيه من حال هذا المساء لأنتهي إلى ما أشرت إليه في مقال الثلاثاء من أن التفكير الإستراتيجي والتخطيط المستقبلي المدروس هو ما يميز وزارة التعليم العالي بكياناتها المستقلة «الجامعات» ومستوياتها وإداراتها المختلفة التي عرفت كيف تعمل على غرس هذه الكليات النوعية في مناطق ومحافظات كلن يعتقد أهلها وقاطنيها أن درس ابنهم يوماً ما الطب أو الهندسة أو... وهو قريب منهم نسج من الخيال، وللمعلومية فجامعة حائل اليوم تحتضن ست كليات صحية.
وفي ذات السياق ذهبت الوزارة إلى أبعد من هذا فحرصت على إنشاء المستشفيات الجامعية في جميع المدن الجامعية التي تزدان بها مدن ومحافظات الوطن، وحتى تستعد لتشغيلها وباقتدار أبرمت اتفاقيات دولية مع مستشفيات عالمية مشهورة ومشهود لها بالكفاءة والتميز وفي ذات الوقت استقطبت المميزين من خريجي الكليات الصحية ومن مختلف التخصصات المطلوب عادة للتشغيل، وسوف تبتعثهم عمّا قريب للدراسة والتدريب في أرقى الجامعات العالمية حتى يتسنى لهم الإعداد الجيد وامتلاك المهارات السريرية المميزة ليكونوا النواة الحقيقية لهذه المستشفيات الجامعية الواعدة، ولم يكن لهذا ولا لذاك أن يرى النور ويتحقق لولا توفيق الله أولاً ثم دعم قيادة بلادنا الحكيمة أدامها الله التي ترعى وتدعم وتبادر وتحفز وتشجع التعليم وتيسر لسالكي طريقه الرقي لأعلى الدرجات، ولوزارة التعليم العالي ولإدارات الجامعات والقيادات الأكاديمية والإدارية شكر خاص على ما بذلته وتبذله من جهود مدروسة ومخطط لها ومفكر بها منذ زمن نتاجها ما نراه من سبق ومنافسة عالمية تستحق الوقوف عندها وقراءة صفحتها بكل تفاصيلها وبجميع أبعادها وهذا ما أحاول أن أعرض له في ثلاثاء الأسبوع القادم بإذن الله، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.