قبل سنوات طويلة، وأثناء الدراسة في الولايات المتحدة، كان يدرس معنا زميل، وكان لا يتوانى عن إثارة البلبلة، وكنا نعرف أنه حركي، ويدافع باستماتة عن التنظيمات المتأسلمة، وعندما عاد إلى المملكة، تم الدفع به إلى واجهة العمل الخيري، وتبناه، ضمن مئات غيره، أحد رجال الأعمال الموسرين، ومن المسلَّم به أن معظم رجال الأعمال الخيرين في المملكة يثقون بكل من تبدو عليه إمارات التدين الشكلية، ولا يميزون بين المتدين الحقيقي النقي، وبين الحزبي من أتباع تنظيمات الإسلام السياسي، وللأسف أن العمل الخيري هنا تسيطر عليه جماعات الإسلام السياسي، وهذا سر عدم البركة في أموال التبرعات، إذ تأتيني على الدوام شكاوى من مواطنين رهن الفقر، والعوز، وهم يشتكون من أن بعض الجمعيات الخيرية لا تدفع لهم ما يسد الرمق، بل تعتذر عن مساعدتهم في كثير من الأحيان. هذا، على الرغم من الأموال الطائلة التي يدفعها أثرياؤنا إلى الجمعيات الخيرية، والقائمين عليها.!!.
ولا يقتصر عدم الإلمام بماهية أتباع الإسلام السياسي، وعدم التفريق بينهم، وبين المتدينين الحقيقيين على رجال الأعمال، فهناك بعض المسؤولين الذين يتمتعون بوطنية صادقة. هذا، ولكنهم، أيضا، لا يميزون بين الوطني الصادق، وبين الحزبي المسيس، وبالتالي يستغل هؤلاء الحزبيون مثل هؤلاء المسؤولين لتمرير أجنداتهم الخفية، التي تنهش في جسد الوطن، سواء كان هذا عن طريق التعيينات في مناصب، أو إقامة ندوات، ومناشط، خصوصا في مجال التعليم العام، والجامعي، ولم يعد سراً أن هناك سيطرة عميقة على التعليم، والإعلام من قبل الحزبيين، وهي السيطرة التي نمت، وترعرت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وفي تقديري أن المسؤول «النفعي»، أو الجاهل بطبيعة التنظيمات الحزبية المتأسلمة أشد خطرا على الوطن، خصوصا في ظل الأزمات العاصفة التي تمر بها بلادنا هذه الأيام.
قبل أيام، كتب أستاذ جامعي تغريدة مسيئة، وذلك بعد إقرار مجلس الشورى الموقر برامج اللياقة البدنية في مدارس البنات، وكانت التغريدة عبارة عن تهديد مبطن للدولة، وبعض رجالاتها الكبار، وتبين أن هذا الاستاذ سبق أن تجاوز كثيرا بحق الوطن، وأمنه، وتم التحقيق معه، بل إن هناك من يقول إنه سبق أن تم الطلب بإعفائه من التدريس، نظرا لخطورة فكره على الطلاب، ومع ذلك فإن العارفين يؤكدون أن ذات الاستاذ، الذي لا ترغب به جامعته، يحظى بدعم من بعض المسؤولين خارج الجامعة، والذين تحوم كثير من الشكوك حول انتماءاتهم الحزبية، ودعمهم لحركات الإسلام السياسي، وهي الحركات التي صدر أمر ملكي صريح بتجريمها، واعتبارها تنظيمات إرهابية، كما أنه يحصل على دعم مادي ضخم من بعض رجال الأعمال، ومصدر الخطورة هنا هو أن هذا الاستاذ، وأمثاله تتم مجابهتهم من قبل الجهات التي يعملون بها، وفي الوقت ذاته، تتم حمايتهم، ودعمهم من خارج جهات عملهم، وفي هذا تناقض، وخطورة كبيرة، أليس كذلك؟!!.