قبل ما يربو على العقد ونصف العقد، كتبت مقالاً بعنوان «الوعي قبل الديمقراطية»، ذكرت فيه رأيي بصراحة عن الديمقراطية، وعلاقتها بالوعي، وقلت إن الوعي شرط ضرورة للديمقراطية، وأكدت على أن الديمقراطية تصبح ممارسة كارثية في المجتمعات التي تفتقد الوعي، وأذكر أنني لاقيت - حينها - صلفاً عنيفاً من الكثير من الزملاء، والذين قالوا إنني كنت آخر إنسان يتوقع منه أن يقف مثل هذا الموقف الحاد من الديمقراطية، وحاولت - دون جدوى - أن أُبيّن لهم الفارق بين أن تكون ضد الحراك الديمقراطي بالمجمل، وبين أن تكون ضد ذات الحراك في مجتمعات تفتقد الحد الأدنى من الوعي اللازم لهذه الممارسة الراقية، وغني عن القول إن الكثير من أولئك الزملاء الموقرين عادوا ليتذكروا ذلك المقال القديم، ويعتذروا، بعد ما شاهدوا بأم أعينهم نتائج ديمقراطية «التثوير العربي» مؤخراً، في مصر، وليبيا، وتونس!!، وقبل ذلك في الكويت الشقيقة، وفي المجالس البلدية هنا!!.
قبل أيام، وضمن تغطياتها الشاملة للحراك الوطني، نشرت هذه الجريدة مداولات مجلس الشورى الموقر حول إضافة برامج اللياقة البدنية بمدارس البنات بضوابط شرعية، والتي أعدّها زميلنا المتألق سعد العجيبان، وهذا المقال ليس معنياً بالتوصية ذاتها، بل هو عن بعض الحوارات التي دارت تحت قبة المجلس، والتي يمكن أن نقرأ من خلالها الكثير مما أتركه لفطنتكم، ونبدأ بعضو المجلس، الشيخ عازب آل مسبل، والذي عارض التوصية، وذكر مبررات كثيرة لذلك، وقد استوقفني الحوار الذي دار بينه، وبين معالي نائب رئيس مجلس الشورى، رئيس الجلسة، الدكتور محمد الجفري، إذ قال الشيخ آل مسبل نصاً: «كنت أتمنى عندما تبنت اللجنة هذه التوصية أن يكون نصها: (على الوزارة دراسة إضافة برامج اللياقة البدنية والصحية للبنات بما يتوافـق مـع طبيعتهم وأحكام الشريعة الإسلامية والتنسيق مع وزارة التعليم العالي لوضع برامج التأهيل المناسب للمعلمات)»، وحينها علّق رئيس الجلسة الدكتور الجفري قائلاً: «يا فضيلة الشيخ .. ما ذكرته الآن هو ما تلاه سمو رئيس اللجنة التعليمية.. لكن ربما لم تنتبه إليه..هذا بالفعل نفس النص الذي طرحه سمو رئيس اللجنة»، فرد الشيخ آل مسبل قائلاً: «هل قال سموه: طبيعتها وأحكام الشريعة الإسلامية»، فرد عليه رئيس الجلسة: «نعم قالها»، وهنا انتهى الحوار!!.
أيضاً توقفت عند مداخلة الدكتور إبراهيم أبو عباة، والذي ربط بين التوصية المطروحة والاتفاقيات الدولية، وقال إنه لا يجب إحسان الظن بتلك الاتفاقيات، وكذلك مداخلة الأستاذ علي الوزرة، والذي عارض التوصية، وتحدث عن تجمع عدة أشخاص عند مدخل المجلس قائلاً: «إن اقرار التوصية سيثير إشكالاً في المجتمع»، ومع ذلك فإن معظم المداخلات التي نقلتها جريدتنا الموقرة لم تكن على هذا المنوال، فقد كانت هناك مداخلات تنم عن فهم عميق للتوصية المطروحة، وإدراك كامل لآليات عمل المجلس الموقر، ومعرفة شاملة بالنظام الأساسي للحكم، والتشريعات المتفرعة عنه، وهنا أختم بهذا السؤال، وأرجوكم أن تتجردوا من العاطفة، وتجيبوا عنه بصراحة: «هل كان سيتم إقرار توصية إضافة برامج اللياقة البدنية بمدارس البنات لو كان مجلس الشورى منتخباً؟؟!!»، أما أنا فقد تذكرت مقالي القديم عن الديمقراطية، وعدت لأقرأه مرة أخرى!!.