كانت قد استنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في بعض برامجها الدراسية حفظ أجزاء من القرآن الكريم في مراحلها المتقدمة، ووضعت هذا الشرط ولم تفرضه جامعات أخرى، وتبدو تجربة ملزمة، وأساسا لا جدال فيه كون القرآن الكريم هو أول مناهج المعرفة والتأصيل الفكري، ومبتدأ إعداد الكفايات ومنتهاها، تلك التي تنص عليها شروط الجامعات لتتحقق فيمن يدرسون فيها ويتخرجون..
ونلاحظ أن جميع الجامعات تشترط في قبولها للدراسات المتقدمة شرط اللغة الأجنبية واجتياز اختباراتها المقننة المختلفة، وجعلها أساسا في عملية القبول، جوار اجتياز القدرات الناص به شرط القبول النهائي..
والملاحظ أن اللغة العربية لم تندرج شرطا في القبول في الجامعات على الرغم من أن كتابة البحوث المختلفة لا تكون إلا بها، لذا يلجأ غالبية الدارسين، والباحثين إلى المصحح اللغوي، وهو وصمة في جبهة التعليم بجميع مراحله.
فالتعليم في الأساس في مؤسساته المختلفة قد قوَّض جدار اللغة، وأرخى من قيمتها في النفوس، وأجهز عليها شرط اللغة الأجنبية التي يتسابق بحرارة لإتقانها الجميع، ويتوجهون إلى المدارس الخاصة، والمعاهد المختلفة والسفر من أجل أن تكون لسانا بديلا للأفراد في عقر دار العربية التي هُمِّشت، وجُعلت كالمنبوذ، وهي في ركنها تتحسرُ..
والأولى في أرض العرب التي كان يترحل فيها، وإليها الراغبون، والمدونون، والباحثون في شأنها ليستقوها من منابعها التي أخذت في الانحسار كثيرا إن لم تكن قد نضبت...
وهو أمر مخجل، يتناقض تماما مع دعايات وأبواق يوم اللغة العربية..
نأتي إلى القرآن الكريم الذي في الأساس لم يأخذ درسه، ولا حفظه مكانا قويا ومقعدا ثابتا في التعليم العام، وبالتالي حسر أمره في الكليات، والمدارس والجمعيات الخاصة به، حتى غدونا ننبهر في مسابقاته السنوية بالقراء من الأطفال، و من الشباب، والكبار الوافدين من كل صوبٍ مشرقي ومغربي، بينما نحن قلتُنا هم من يعنون بتحفيظه وحفظه، وتدريسه، ودراسته والتأكيد عليه في تعليمنا العام،..
لذا تذمر من شرط حفظه في الجامعة من تذمر من المتقدمين للدراسة العليا حيث يكون شرطا في القبول والتخرج،.. ولا أحسب أن جامعة غير جامعة الإمام من التزمت بذلك في شروط قبولها,فتخريجها حيث خصت ونصت،.. إلى جانب الجامعة الإسلامية لتخصص أقسامها، وبعض الأقسام المختصة في علومه في الجامعات الأخرى..، فاللهم احفظه تقدس، وعَظُمَ شأن هذا الدستور الإلهي الجليل.
الآن يكون الالتفات إلى القرآن الكريم واللغة العربية لزاما، في ضوء متغيرات جميع التوجهات، ومختلف الثقافات، واندماج شرائح المجتمع بها، وتفاعلها معها، ويصبح شأن الاهتمام بهذا واجبا، فليجتمع المسؤولون على رأي في جعلهما أساسا أولا عند شرط إعداد الكفايات المعرفية، وتمكينها وإثرائها وتلك التي تنص عليها لوائح القبول، وأهداف الدراسة في الجامعات.
فلا أولوية لغيرهما، ينبغي معها عند التخطيط، والتحديث، ووضع الشروط..
هما الثروة، وبهما تنهض الهمة، وتقوى العزيمة، ويطمئن الاعتزاز..ويتجلى الانتماء..وتنصع الهوية،.. وتؤدى الرسالة..، وتبيض الوجوه.