لا تزال تعمِّرني نكهةُ خميسكِ يا نوَّارة..
نكهة قهوتكِ المتفرِّدةِ بأول لحظاتِ صباحِه..، وضحاه..!
كفُّكِ المخضَّبِ بالودِّ يا نعيماً امتدادُه يمسحُ رأسي: «انهضي بُنيتي القهوةُ جاهزة»..!
أسابقكِ لأولِّ وهلةِ الفجرِ نحو مقعدنا تحت شجرة السنديان..
وخيوط الشمس لما تزل لم تنسدل على كتف الأرض..!
لا يزال يُشبعني رغيفُ خبزك الخاص الذي كنتِ فجر كل خميس تتجهين بعد صلاتك، وتسابيحك لركنه في مطبخك الوفير فتصنعينه.. ليكون بعد القهوة بدقائق.. فيها تمطرينني دعاء وحكايات..!
أكنتِ تدرين أنكِ تؤسسين نسيجاً، وتبنين جذوراً..؟
لا يزال يضج فيَّ وقعُ عَجْنَكِ،..
وترومني رائحةُ شوائه.. وهي تنفذُ لكل مسامة في حسي.. فأتململ لوجبة شهية من يديك...!
رغيفك، وقطعة الجبن البيضاء، وقليلاً من العسل، وإبريق شايك كلُّها مفردات إحساسي، تشكل أبجدية كل نبضة فيَّ يا نوارة...وتنهضُ بالشوق..
لم يستطع خميسُ العمل أن ينتزعَ خميسَك منِّي..
يا نوارة ليس «درويش» وحده من تباكى حنيناً لخبز أمه، وقهوتها..
كل نوَّارة مثلك تمزج ذاتها برغيفها..، تصنع إحساس من تكونوا في أحشائها...
ليتني أخرجُ في قطعة الرغيف في أفواههم، فأكون نبضَ الحس في عروقهم كما فعلتِ بي سيدة البقاء، مستودعَ الثراء، نهرَ الإنماء..
وضوء النبض.. أنتِ التي لا تموتين..!
يا نوَّارة:
لا أحسب أن خميساً سيمرُّ بي هو ليس خميسَك..
كما لن أحسب أن إيقاع الحياةِ بكل ما فيها قادرٌ على مسِّ هذه الكينونة لك في المعنى، والمبنى، والحركة، والفكرة في كياني...
هذه الهيمنة الذكية لكِ، هي يقينٌ معادلٌ لتلك الجائزة الإلهية في حبِّك..!
حبُّك لا يشيخ يا نوارة..
وكلما كبُر زادت فتوَّتُه وشبابُه..!
طعمُ الأيام بكِ خميرةُ الرغيفِ، لأودِ جوعِ الحنينِ إليكِ..!
خميسُكِ لن تغيِّرَه صفحةُ التقويم، ولا جدولُ العملِ..!
لي منه لمسةُ كفِّكِ..، ورغيفُ عجينِه.. ،!
ورائحةُ قهوتِكِ..، وشاي الظهيرة..،
وطيفٌ حنونٌ يقضُّ الضفيرة..!!