منذ أن كنت طالبة في جامعة الملك سعود، التي تخرجت فيها في عام 2000م، وأنا أسمع وأعايش شكاوى زميلاتي الوافدات من خارج الرياض، اللاتي يقطنّ في السكن الجامعي. توقعت بعد أكثر من أربعة عشر عامًا أن الأمور تغيرت والحال تبدلت للأفضل مع هذا التغيّر والحراك المجتمعي والانفتاح الفكري، لكن للأسف الحال كما هو عليه إن لم يكن أسوأ، فما زالت إدارة السكن الجامعي تُعامل الطالبات -بكالوريوس ودراسات عليا- كنزيلات في مؤسسة عقابية ولسن نزيلات سكن جامعي يحترم عقولهن وإنسانيتهن قبل كل شيء، هذا الكلام أقوله بعد أن لجأ عدد من الطالبات القاطنات في هذا السكن لصاحبة هذه الزاوية، وأخشى ما أخشاه ألا تلتفت إدارة السكن والجامعة إلى شكوى الطالبات بقدر ما أنها ستبحث عن (الفتانات) اللاتي أفشين هذا السر لي..!
الإيذاء النفسي التي تعيشه يوميًا الساكنات هو المعاملة كقاصر، بما يعني ممارسة عملية في مجتمع صغير نتيجة ممارسة أوسع وأشمل أتت من المجتمع الكبير، لكنها في السكن بشكل مركز ومكثف ومباشر، فالطالبة ممنوعة من الذهاب إلى التسوق لشراء احتياجاتها، وفي الوقت ذاته ممنوعة من شرائها عن طريق مندوب يقوم بتوصيل احتياجاتها إلى باب السكن..! وإن حدث في أضيق الأحوال السماح للطالبة بالذهاب لشراء احتياجاتها فهذا لا يتم إلا بعد طلب ورجاء يستغرق شهرا فأكثر.
الأمر الآخر هو منع جوالات الكاميرا في السكن، وبودي أن أعرف هل يوجد في هذا الزمن جوال بلا كاميرا؟ أعتقد أن هذه النوعية من الجوالات انقرضت من الأسواق، فالرادع الديني والأخلاقي والإنساني عند الطالبة أقوى وأشد تأثيرًا من هذا العبث وهذه الأوامر التي تنم عن وجود خلل في التعامل الإداري مع المؤسسات النسائية، وللتأكد بحثت في نفس الموضوع عن سكن جامعة الأميرة نورة إن كان يتشابه من حيث هذا التعامل مع سكن جامعة الملك سعود، فلم أجد هذا الأسلوب الذي لا يحدث إلا في سجون المؤسسات العقابية والإصلاحية، والتعامل الدائم بنظرة الشك تجاه الطالبة التي حدتها الظروف بحثًا عن العلم والتميّز أن تترك بيتها وأحضان أسرتها وتعيش في هذا المكان المخيف إنسانيًا.
بل إن التعامل من خلال مبدأ أن الطالبة مُتهمة حتى تثبت براءتها، يتضح من خلال قرار عدم خروجها في الإجازة الأسبوعية للسفر إلى أهلها إلا بوكيلها الشرعي، الذي يتكلف ماديًا وجسمانيًا ليأتي من بلدته لأخذ ابنته ثم العودة بها وتسليمها إلى الدار (السكن) فهل هذا من باب الحرص الزائد؟ بكل بساطة يُمكن استدعاء ولي أمر الطالبة واستكتابه موافقة على خروج ابنته وما دام وليها راضيًا وموافقًا على خروجها فلماذا هذا التدخل الغريب العجيب؟ والكارثة الأكبر أنه حتى الأم غير معترف بها إن حضرت في حال غياب أو عدم وجود ولي أمر رجل!
لا أعتقد أن بإمكان أي طالبة أن تدرس وتحصل على درجات مرتفعة وهي تعيش في مثل هذه الأجواء، بما في ذلك أنها لا تشاهد الطالبات سوى قنوات معدودة على أصابع اليد!
ما ذكرته أعلاه هو غيضٌ من فيض، ولعل إدارة جامعة الملك سعود تعيد النظر في هذه الأنظمة المتبعة في إسكانهم، والنظر إليهن كساكنات مغتربات، هنّ جزء من تشكيل المستقبل، هنّ طالبات لا سجينات!