لا يتحرر الإنسان من رق الأهواء ولا يسير على الاتفاق القولي والعملي إلا بما يمليه عليه الإخلاص، فقد يكون الإنسان في الظاهر مستقيماً على الهدى متبعاً للحق ويحكم عليه الناس بذلك، بيد أنه قد يخفي انتحال فكر أو الانتماء إلى منهج أو خلق مخالف للحشمة مناف للأخلاق فيظهر ذلك على فلتات لسانه وتصرفات أعماله التي تنبئ عن عمل الباطن قال زهير:
ومهما يكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
- أي من كانت له عادة وصفة وحاول جاهداً أن يخفيها عن الناس فسوف تظهر من وراء تعامله وأقواله، وهذا مما يجعل الإنسان يحسن القصد ويتحلى بالإخلاص في العمل والتعامل، ويبتعد عن مساوئ الأخلاق ورديء الأفعال وقبل أن يطلع الناس عليه يعلم أن الله مطلع على ما يظهره وما يخفيه فهو سبحانه يعلم السر وأخفى: {وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ} (69) سورة القصص.
- ومسالك الهوى تتهاوى على الإنسان وهي أكثر من أن تحصى، فقد يدعوه الهوى إلى موافقة قول أو رأي ولو كان فيه مخالفة، تغليباً لجانب الذات والغرض الشخصي وينقدح ذلك الهوى في نفسه لكنه لا يبوح به خشية أن يتجه إليه النقد، وقد يظهر أثر هذا الهوى الذي في الباطن على الوجه واللسان ولا يستطيع له دفعاً وعلاج ذلك بأطر النفس على تحقيق الإخلاص ليتوافق السر مع العلانية والقول الحق مع الفعل الحق، ويلزم من هذا معاهدة النفس وتجنب الاسترسال مع الهوى على الدوام.
- فمن أصلح باطنه أصلح الله له ظاهره، ومن أخذ نفسه بخلاف هواها فيما يريد وروضها على التثبت والاتباع للحق حتى يصير الاتباع ومخالفة الهوى منهجاً للنفس في الحياة ثبت في المواقف وتوافق قوله مع عمله، ومن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه، فالله الله في السرائر فإنه ما ينفع مع فسادها صلاح الظاهر.