التنازع هو الاختلاف والتخاصم وإذا حَلَّ التنازع بين أفراد الأمة تفككت روابطها وتقطعت صلاتها وتبعثرت قوتها، وليس وراء ذلك سوى الهلاك والدمار. ولا ريب أن الخصام بين الأفراد والجماعات سبب التأخر والانحطاط، ولذلك حذر الله عباده ونهاهم عنه وبين لهم سوء عاقبته، وما يترتب عليه من شرور، فقال جل ذكره:
{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}
) لأن الاختلاف والتنازع مدعاة الفشل وهو الخيبة والنكول عن إمضاء الأمر فإذا لم يكن ثمة صبر على الشدائد وعلى مخالفة الهوى، حَلَّ الضعف والجبن وذهاب القوة، وكان من وصية النبي - صلى الله عليه وسلم- لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما لما بعثهما إلى اليمن قال لهما: «وتطاوعا ولا تختلفا» أخرجه البخاري (3038)، لأن الاختلاف يوجب الاختلال ويكون سبباً للهلاك، والتطاوع يكون سبباً للتآلف والاجتماع.
) وطاعة العبد لله تعالى تُبقي على المودة بين الإخوان، فإذا عصوا الله ألقى بينهم العداوة والبغضاء، وقد أخرج البخاري في الأدب المفرد (401) عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال : « ما تَوادَّ اثنان في الله جل وعز أو في الإسلام فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما « فما وجد جفاء بين الإخوان إلا بسبب ذنب أحدثه أحدهما ولم يتب منه.
) ويعظم النزاع ويشتد إثمه إذا كان بين الأقرباء والأرحام، والذي لا خير فيه لأرحامه لا خير فيه لمجتمعه، وينشأ النزاع ويزداد كذلك إذا أعرض الأخ عن أخيه عند اللقاء وتركا السلام والحديث بينهما، وحينئذ يتولد الخصام وتحصل الكراهية والبغضاء، فالتنازع مدمر لكل الجهود التي بذلت وهادم لما تم بناؤه منذ زمن .
) ومما يتفق عليه العقلاء، خطورة التفرق والتنازع، الذي يؤدي إلى انفصام عروة المجتمع وانفصال العلاقة بين أفراده، ومن هذا نعلم أن الشريعة الإسلامية أرادت من أبناء الإسلام التآلف والتحابب وما يؤدي إليها، وكَرَّهت إلينا الاختلاف والتنازع وما يوصل إليها، فإذا وقع نزاع أو خصومة بين أفرادٍ أو جماعات فليس لهم طريق يسلكونه سوى الرجوع إلى الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم- لما في ذلك من الخير والصلاح.