**لم يشترِ كتابًا من معرِضِ الكتاب مكتفيًا بما يقتنيه خلال العام وموقنًا أن في مكتبته المنزلية نفائسَ تحتاجُ إلى تفرغٍ لا تشغله ملهياتُ الحياة وارتباطاتُها ومزاحمةُ الجديد لها، وزار المعرض هذا العام خمس مراتٍ وراقب من بعدٍ حركةَ البيع وسأل بعضَ أصدقائه الناشرين واقتنع أنها ضعيفةً؛ فالمتفرجون أكثرُ من الشارين، والمتكأُ- كما قال المعنيون- على تعميد المؤسساتِ الحكوميةِ لتزويد مكتباتها بما تشاءُ وَفق رؤيتها التي تتداخل فيها العلاقاتُ العامة والمصالحُ الخاصة والمعاييرُ المجردة.
** لا عجبّ إن تواترت الانطباعاتُ عن قربِ نهاية الكتاب المطبوع واستبدال الكتاب الإلكتروني به استقاءً من تضاؤل الإقبال على النسخ الورقية،وفي الأمر مبالغةٌ؛ فقد يتوازيان زمنًا، وربما تقدم واحدٌ على الآخر غير أن الشكلين سيبقيان ولم تحن التكبيراتُ الأربعُ بعد.
** يأتي معرضُ الكتاب العامرُ بالرواد دليلًا على استمرار قيمة الكتاب الجديد، وثمَّ دوائرُ أخرى تُعنى بالكتاب القديم؛المخطوطِ منه والطبعاتِ العتيقة له ،ويفاجئُ المتابعَ حجمُ الاهتمام والسوقُ الشرائية وجمهورُه النَّهمُ من ذوي الاهتمامات التراثية.
** شهد بعضَ ذلك بنفسه، وانضمَّ- عبر الصديق المثقف الأستاذ إبراهيم الزامل السُّلَيم- إلى مجموعةٍ من «أهل الكتب»، ووجد في شروط الحوار داخلها التزامَ الأعضاءِ بنقاشِ قيمة الكتب العلمية وتبيان جهة الطبع؛ أوربيةً أم هنديةً أم تركيةً أم مغربيةً أم مشرقيةً أم فارسية، وهل المطبوعة: حجريةٌ أم أصلية أم كليشة أم صورة أم خام، وما فروقُ الطبعات وكيفيةُ تجليدها ونوعُه ومكانُه وما تحويه حواشيها وطررُها وتواقيعُ محققيها ومؤلفيها وآفاتُها من أرضةٍ وتمزقٍ وحرقٍ ورطوبةٍ وتكسرٍ وسقطٍ وسوادٍ وعفن وحروفُها وأسطرُها وتأريخ الطبع والدارُ الطابعة ورقمُ الطبعةِ وما في فلك هذه المعلومات.
** وجد في هذه المجموعة ثراءً لم يجده في أي مجموعةٍ تَواصل أو يتواصل معها، وأضاءوا ذهنَه بكمٍ كبيرٍ من المعارف النائيةِ عن دوائر اهتمامه مشفوعةً بتصاويرَ وأشكالٍ وجدلٍ ناضجٍ يستحق أن يتجاوز الجمعَ المغلق إلى الفضاء المفتوح ليستفيد منه شداة الكتب وباحثوها، واكتشف أن لهذه المطبوعات -غيرَ قيمتها العلمية- أثمانًا ماديةً عاليةً ينوء بها أولو اليسار؛ فالأسعارُ بالمئات والآلاف ومضاعفاتِها مع أن في مُبتاعيها متوسطي حال.
** العودةُ للكتاب القديم إيمانٌ بقيمته من جانب ورداءة بعضِ الجديد من جانب ،والرهانُ على نهاية الكتاب رهانٌ خاسرٌ؛فالشكلُ قد يختلف لكن القراءةَ لن تختفي،وحدّثه صديقُه إبراهيم بكري من الولايات المتحدة عن نظام» ماذا قرأتَ هذا الأسبوع» لطلبة المرحلة الابتدائية في مدارس التعليم العام الأميركيةِ، واستعادت ذاكرتُه السؤال نفسَه حين كان أستاذُنا الراحل صالح العليان غفر الله له يطرحه علينا صباحَ كلِّ سبت في المرحلة الثانوية،ولا ينسى أن «المرحوم» استضافه في منزله بعد انتقاله للدراسةِ الجامعية ليتأكد من أنه ما يزالُ على عهده القرائي.
** الكتابُ حضارة.