انطلقت حملات شعبية هنا وهناك تدعو إلى قيام ثورة جديدة بعد صدور أحكام بالمؤبد ضد الرئيس المخلوع وبالسراح لفائدة بعض رموز نظامه من كبار المسؤولين الأمنيين الذين ظلوا في السجن منذ نجاح الثورة، بما اعتبره أهالي الشهداء والجرحى خيانة لهم ولدماء أبنائهم التي راحت هدرًا بعد أن بتت المحكمة العسكرية في القضايا التي رفعوها ضد من اتهمومهم بقتل فلذات اكبادهم أيام الثورة.
وعمَّت صفحات التواصل الاجتماعي على الإنترنت تعاليق فيها الكثير من الحزن المخلوط بالنقمة على المحكمة العسكرية التي أدانت المتهمين وفي مقدمتهم علي السرياطي مدير الأمن الرئاسي الأسبق ورفيق الحاج قاسم وزير الداخليَّة في آخر عهد بن علي، بالسجن لمدة ثلاثة أعوام هي الفترة التي قضوها في السجن بما يعني إطلاق سراحهم منذ مساء أمس السبت.
عائلات الشهداء والجرحى وفريق المحامين الذين توَّلوا الدفاع عن حقوقهم، انتابتهم جميعًا حالة من الهستيريا المعدية، حيث توعّدوا بالقصاص وإشعال ثورة أخرى متهمين المهدي جمعة رئيس الحكومة «بعقد صفقة مع البيت الأبيض تَمّ بمقتضاها تسريح رجالات بن علي مقابل حفنة من الدولارات لا تغني ولا تسمن من جوع».
أحد الشباب ممن استشهد أخوه قال في فيديو: إن الجيش الذي لا يستطيع حماية المواطن لا يمكنه حماية الوطن، في إشارة إلى المحكمة العسكرية التي أصدرت الأحكام، التي أثارت فتنة سوف تكون نتائجها وخيمة على استقرار البلاد الهش.ولا يستبعد التونسيون قيام ثورة ثانية أو دخول البلاد في أزمة سياسيَّة لا حل لها وخصوصًا أن القضاء العسكري لا يخضع إلى سلطة الحكومة التي لم تبد تعليقًا على الاتهامات الموجهة إليها مباشرة من طرف قيادات سياسيَّة وعائلات الشهداء والجرحى وفريق الدفاع عنهم.
أما محامي عائلات الشهداء الأستاذ شرف الدين القليل، فقد هنأ من وصفهم برموز نظام بن علي بحكم المحكمة العسكرية ضدهم بأحكام مخففة تصل إلى 3 سنوات وهو ما يعني مغادرتهم السجن فورًا بعد انتهاء مدة الحكم في الإيقاف، مضيفًا «هنيئًا لنظام بن علي ورموزه بالبراءة».
ويخشى الملاحظون اليوم من قيام انتفاضة جديدة أو دخول البلاد في أزمة أخرى، وهي التي بدأت تتعافى تدريجيًّا من أزمتها السياسيَّة التي أعقبت اغتيال النائب بالمجلس التأسيسي محمد البراهمي وأدَّت إلى استقالة حكومة الترويكا الثانية وتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، تسعى اليوم بجهد جهيد إلى إنقاذ الاقتصاد الذي يبدو أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة وفق ما صرح به الخبراء الاقتصاديون والماليون، فيما اختارت الحكومة سياسة المراحل لتبليغ الحقائق الخطيرة إلى الشعب.