بعد صدور التوجيه الكريم بمحاربة الإرهاب والإرهابيين، ومن يدور في فلكهم ودوائرهم المظلمة، من محرضين وداعمين ومؤيدين، وتحديد الفرق الإرهابية، ومن يدور في فلكها ودوائرها المظلمة، ويؤيدها ويدعمها ويحرض على اللحاق بها، بعد هذا التوجيه الحازم العازم على مواجهة الأفكار المنحرفة، والممارسات الضالة، تنبه الكثير من الغافلين وربما المغفلين، وعقد العزم البعض من المتساهلين والساذجين، تنبهوا وعقدوا العزم على مراجعة مفاهيمهم ومسلماتهم، وتصحيح مواقفهم، والبعض الآخر فضل الصمت والانكفاء على ذاته، والبعد عن مواطن الإثارة والتنازع ريثما - حسب ما يقال: يركد الرمي، ويتبين كيفية إنفاذ التوجيه الكريم، وكيفية التعامل معه.
يبدو أن كل العناوين التي تعد مثار شك وريبة، والتي تعد خارج أطر المسموح به، لا تحظى بالرضا والقبول من هذا الطرف وذاك، ليست بذات شأن وقيمة، أو خطر وخطورة، مقارنة بعنوان واحد أوحد يعد من بين كل العناوين، محط اتفاق وتوافق على عظم خطره وخطورته، وعلى أن من ينتسب له بأي شكل من الأشكال يعد خارج السرب، وخارج الأطر التي يمكن تفهمها وتقبلها، إنه عنوان (الإخوان)، هذا العنوان الذي أضحى بمثابة مصدر قلق وريبة، نظرا للنوايا التي يضمرها تجاه الحكومات القائمة، وهي نوايا تعتمد على التهيئة والإعداد، تمهيدا للإزاحة والإحلال.
البعض من المنتسبين للإخوان، أو المؤمنين بمنهجهم وسلامة توجهاتهم، أخذ بمفهوم ما يسمى الانحناء للعاصفة، والبعض الآخر أخذ يخاطب نفسه ويقول: وش أنا بطلبته، وش لي ووجع الرأس، الباب اللي تجيك منه الريح، سده واستريح، مما يعني أنه على استعداد تام للتخلي عن قناعاته وأفكاره، لا سيما وأن السواد الأعظم من المحسوبين على جماعة الإخوان، لا ينتمون لها، لا من حيث التنظيم و لا من حيث السياسة، كل ما في الأمر إعجاب بالحركة، وتأييد عاطفي لها بسبب الإحباطات المتوالية من عدم القدرة على تلبية الحاجات المجتمعية، والخيبات المتتالية من جل الحكومات في تلبية جوانب الحياة الاجتماعية وتطويرها، وأخص التعليم والصحة والسكن، فضلا عن الأمن النفسي والأمن الاجتماعي، حيث لا قيمة للحياة ولا طعم بدونهما، فضلا عن أن يكونا مهددين صباح مساء.
قوة الإخوان ليست في البنية الفكرية والعقدية التي تنتهجها الجماعة، ولا بصفتها جماعة تتمتع بقدرات مادية هائلة، وبشرية مؤهلة، قوة الإخوان بدت وتجلت في أمرين جعلاها مجرد (ظاهرة صوتية): الأول خيبة بعض الحكومات العربية التي توالت على تقلد مناصب الحكم والإدارة، والثاني تتبع أوجه الفشل وهي كثيرة، والإعلام عنها وعن الهفوات التي ارتكبت، وإعلاء الصوت بنقد الممارسات التي لم تحقق الحدود الدنيا من طموحات الناس، والمتواتر أن أوجه الفشل المتأصل في ممارسة كل الحكومات أشهر من أن يعرف بها، هذا فضلا عن أنه حسب ما يقال: (من طلب عيبا وجده)، (وأن عين الناقد بصيرة).
المتواتر أن الإخوان يرفعون شعار الإصلاح، وأنهم ينشدونه، وأن لديهم القدرة على تجاوز كل أوجه الفشل الملازمة لأوجه الحياة المجتمعية كافة، وهذا الشعار - وإن كان ادعاء - فهو يداعب المشاعر، ويجد من يستجيب له ويؤيده، ولهذا لا عجب إن هرول وراءهم السواد الأعظم من الناس، ليس إيمانا بما يعتقدون، ولكن أملا في الخروج من مواطن الفشل التي كبلت حياتهم، فحالهم كحال الغريق الذي يتشبث بقشة أملا في النجاة.
إن تتبع أفكار الناس أمر يتعذر الإحاطة به، هذا فضلا عن الصدق في الحكم عليه، والعدالة في تقييمه وتصنيفه، لذا على المهرولين وراء سراب الشعارات أن يلتزموا بما في رقابهم من بيعة لولاة الأمر، وألا يمارسوا أي نشاط يفضي إلى الخروج عن الأطر العامة لسياسة الدولة وثوابتها، وألا يتواصلوا مع حواضن الإرهاب وأوكار إثارة المشاعر في الخارج تحت أي مسوغ كان.
إذا التزموا بهذا فلا تثريب عليهم.