أكاد أجزم إلى حد اليقين، أنه لا توجد دولة في العالم كله تعطي معتقدها الديني أو المذهبي أو الفلسفي أولوية مطلقة، ووزناً كبيراً، في خططها الدراسية، مثل ما هو معمول به في المملكة العربية السعودية، ففي المملكة تحظى المواد الدينية بحوالي 33 % من إجمالي عدد حصص المواد الدراسية الأسبوعية المقررة في الخطة الدراسية في التعليم العام، ليس هذا فحسب، ففي حين يتم تدريس المواد الدينية مجتمعة في كل بلاد الدنيا، العربي منها والإسلامي والعالمي تحت عنوان واحد، (الثقافة الإسلامية)، تدرس في المملكة تحت العناوين الرئيسة التي يلزم المسلم وجوبا الإحاطة بها، معرفة وتطبيقا، فالمواد الدينية في المملكة تدرس في التعليم العام تحت العناوين الرئيسة التالية: (القرآن الكريم - التجويد - التفسير - التوحيد - الفقه - الحديث).
ويعد من نافلة القول، التنويه إلى أن الكم المعرفي الذي سوف يدرس تحت كل عنوان من عناوين المواد الدينية سوف يكون أكثر ثراء وعمقا وتفصيلا، مما يمكن المؤلف من بسط المعرفة والتوسع فيها وتبسيطها حسب المرحلة العمرية للطالب، إذا ما قورن هذا بكون المواد كلها تدرس تحت عنوان واحد، في الحالة الأولى يتمكن الطالب من الحصول على كم معرفي معمق يساعده على استيعاب ما لا يسعه جهله وما يعد من مستلزمات أداء عباداته بصفته مسلما يتعبد الله بكل ركن من أركان الإسلام الخمسة وبما يتطلبه من تشريعات وقيم وآداب، لا تصح عبادته إلا بالإحاطة بها إحاطة صحيحة تامة، ويستنتج من هذا أن الطالب هنا في المملكة مكن تماما وزود بشكل واف بكل ما يفترض أن يتعلمه في أمور دينه.
بينما الآخر الذي جمعت له كل المعارف الدينية تحت عنوان واحد لن يحصل على المعرفة سواء في بعدها الكمي أو النوعي الذي يجب ألا يسعه جهله بحال، كي يؤدي عباداته ويستوعب قيمه وآدابه على الوجه الأكمل، مظنة النقص في الكم المعرفي وفي الكم الزمني هنا واضحة، وبالتالي مظنة التمكن مما يجب التمكن منه معرفة وتطبيقا واضحة أيضا، ويستنتج من هذا أن الطالب الذي يتلقى تعليمه الديني بهذه الصفة لن يتمكن ولن يزود بشكل واف بكل ما يفترض أن يتعلمه في أمور دينه.
بطبيعة الحال نتائج المقارنة بين النمودجين من الناحية المنطقية والنظرية ستكون حتما لصالح النموذج الذي يدرس المواد الدينية مفصلة حسب مجالها المعرفي، لكونها مظنة تحقيق مخرجات تعليم يمكن الطالب من الإحاطة بكل المعارف والمعلومات التي يجب أن يحيط بها ويعرفها ويتعامل معها في شؤون حياته العملية في أداء عباداته، وبالتالي لا عذر له إن قصر في تجسيد ما تعلمه، أو أخل في تطبيقه وممارسته عملياً في العبادة والعلاقة مع الآخر، بينما قد يلتمس العذر لمن تلقى دروسه الدينية تحت عنوان واحد إن قصر في تجسيد ما تعلمه، أو أخل في تطبيقه وممارسته عمليا في العبادة والعلاقة مع الآخر.
لكن واقع الحال، ومن خلال الملاحظة والمتابعة، تبين من حيثيات الواقع المشاهد، أن النتائج غير ما كان متوقعا، فالشواهد أكثر من أن يحاط بها وكلها ينبئ أن البون شاسع بين ما تم تعلمه مفصلا في المواد الدينية وبين واقع الحياة العملية لكثير من الناس، فحال الكثير من الناس (كبارا وصغارا) في واد، وما تعلموه في واد آخر، وحتى لا يقال إن فيما قلناه تجن ومبالغة، أذكر بعض الشواهد التي أجزم أن جلكم يعرفها أو سمع عن شيء منها.
أكيد كلكم يعلم مكانة الصلاة في الإسلام، وأنها صلة بين العبد وربه، وأن العبد عندما يقول الله أكبر ينقطع عن الدنيا تماما لكونه على صلة بالله تعالى، لكن واقع الحال يشهد أن الكل يسرق من صلاته، وتتجلى السرقة في انقطاع الصلة بالله في الصلاة الواحدة أكثر من مرة بسبب انشغال العبد بهموم الدنيا ومشاغلها.
وأكيد أنكم علمتم بحال الشباب الذين تسللوا إلى العراق وسوريا للجهاد دون أن يشعروا والديهم فضلا عن أن يأخذوا موافقتهم، وهناك الكثير مما لا يتسع المجال لذكره.
الواقع يحتم وقفة مراجعة وتقويم من أجل تكوين جيل تتوافق فيه المعرفة وتطبيقاتها العملية.