عندما يبقى الحال في مكان ما على ما هو عليه رغم مرور الزمن فإن هذا قد لا يخرج عن سببين أحدهما منحصر في الأخلاق والآخر في العقلية: إما أنهم لم يحركوا ساكناً وإن علت التصريحات والإعلانات.. لأن ركود الحال يكذبهم ويغرس أصابع الاتهام في العين الجسور على التزييف واستغفال العقول.. أو أنهم يحاولون ويجتهدون.. لكن!! بذات الطريقة التي أثبتت فشلها منذ أمد طويل.. وفي غير مكان عندما نبذها غيرهم بعد تجارب وأبحاث أثبتت أنها غير صالحة للتعاطي.. وبدلاً من أن تدفن وإن كانت حيّة فهي مريضة.. لا تزال البيروقراطية تسبغ عليها العناية المقدسة بشهادة المخرجات التي لا تسد رمق التطلعات.. وليست حتى قريبة منها.
معاشر البيروقراطيين والبيروقراطيات .. تلك الحشود المتلفعة بعباءة الماضي.. المتبعة للتعليمات والقوانين بالمليمتر.. دون تفكير بالجدوى لعل فيها شيء من خلل أو تعطيل.. هؤلاء أحجار تمثّل سداً منيعاً بين التقدم ومكانك «سر».. معرفتنا لهم ليست لمحاربتهم.. إنما لتكون الكراسي خالية منهم.. لأنهم عائق رغم نزاهته.. ورغم إخلاصه.
كيف أصبحوا كذلك؟ وما هو خطرهم؟
منهم من هو رمز للتفاني لكن بتكرار نفس اللحن دون ملل.. بنفس الكيفية.. مطواع للسلطات العليا.. يعتقد أن نهج السابقين صحيح لا تشوبه شائبة.. وأي نقد أو محاولة للتفكير يظنها محاولة للنيل من القانون ذاته.. شخصية خائفة ذليلة.. تصلح أن تُقاد لكن أن تمسك زمام القيادة.. فهو كارثة متحركة.
ومنهم من يظن أن إدارته بيته الخاص ومملكة «أبوه» إن كان ذكراً.. وإن كانت أنثى فهي كبيرة البيت.. كل شاردة وواردة لا بد أن تمر بها لتقرّر مصيرها.. المركزية صفتهم المشتركة لن يسمحوا لصوت غير أصواتهم أن تعلو.. سواء بالحق أو بالباطل.. من مخرجات «ولا نفس.. وابلعها» إبان طفولتهم ومراهقتهم كذلك.
ومنهم الخائفون من التغيير لأنهم يخشون على صورهم التي قضوا في تلميعها دهراً وكبداً وعناءً.. أن يأتي آخرون يملكون مهارة جديدة.. يعتبرونه تهديداً لانزلاقهم من على كراسيهم.
وآخرهم البيروقراطي الأحمق العنيد.. هذا تحديداً العتب ليس عليه.. إنما على من اختاره..
خطر تلك العقليات الكلاسيكية أنها تقتل المواهب في مهدها.. وتجعل بيئة العمل طاردة وملغمة بالامتعاض والغضب واللا مبالاة .. ليصبح مكان معتل الصحة لن يقوى على تقديم شيء مفيد للوطن.. ولن تخطئهم عين.. إدارة بإنتاج شحيح.. ورئيس متشبث بالكرسي ولن ينزل عنه إلا للقبر.. وفريق متهالك لا تعرف أهو حي أم ميت.. وجمهور غاضب ناقم.. وغيبة مستمرة تتبرأ منها الغيبة نفسها بحثاً عن اسم آخر.
أولئك القوم شر يظن أنه يصنع الخير.. وشوك يعتقد أنه يحمي.. فمتى تتخلص منهم القيادة؟