الحرائق التي تقع من حين لآخر في المنطقة التاريخية بجدة هي جزء من المسلسل الحزين للحرائق وللتدمير الذي تتعرض له المناطق والأماكن الأثرية في بلادنا، وذلك بسبب الإهمال أو حتى بفعل فاعل أو لأسباب أخرى يمكن أن نخمنها دون أن نعرفها على وجه التحديد.ومؤخرا نشب حريقٌ آخر في إحدى البنايات القديمة بالمنطقة التاريخية بجدة، وهي المنطقة التي تسعى الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى ضمها إلى قائمة التراث العالمي الإنساني لدى اليونيسكو.
وكمهتم بالآثار وممن عاشوا في جدة فترة جميلة من العمر، أتمنى أن تنجح الهيئة العامة للسياحة والآثار في مساعيها لضم المنطقة إلى آثار اليونيسكو، ولكن لا أحد يعلم إن كانت ستبقى أي منطقة تاريخية في جدة تُضَم إلى آثار اليونيسكو عندما تأتي الموافقة على ضمها، وذلك في حال استمرار مسلسل الحرائق.إن كلاما كثيرا قيل سابقا ويُقال الآن عن أسباب هذه الحرائق، وقد أخبرني بعض الأصدقاء من سكان جدة أن بعض ملاك المباني في المنطقة التاريخية يرغب في هَدِّها واستثمارها بشكل تجاري لأنها بوضعها الحالي عبء على مُلاكها ولا يستفيدون منها إلا عن طريق تأجيرها إلى عمالة وافدة، وهي استفادة محدودة للغاية وقد يترتب عليها مشكلات تطال الملاك، وذلك في ظل الاعتبارات الأمنية وأوضاع بعض فئات العمالة الوافدة.
ولذلك هناك من يربط بين مسلسل الحرائق والوضع القانوني لهذه البنايات التي لا يستطيع ملاكها التصرف فيها على نحو مُجد من وجهة نظرهم.هذا الوضع القانوني لبنايات المنطقة التاريخية في جدة قد لا يوفر أدنى حافز لدى بعض مُلاكها للاهتمام بها!
ومن هنا تشب حرائق يكون سببها أحيانا انعدام الصيانة في تسليكات الكهرباء وغيرها.أجزم أن الهيئة العليا للسياحة لن تدخر جهدا لحل المشكلات التي تتعلق بالمنطقة التاريخية بجدة، لكنني أتصور أن أي حل يتجاهل العامل الاقتصادي لن يكون مجديا.
ربما يتطلب الأمر التسريع بإيجاد مشروعات سياحية حقيقية بالمنطقة تبعث الحياة فيها، فتزدهر الأنشطة الثقافية والترويحية وتنشط الحركة التجارية وتتغير التركيبة السكانية للمنطقة بالكامل.أتمنى المحافظة على ما تبقى من آثار جدة، فجدة مدينة تاريخية تزخر بإرث ثقافي وتجاري ومعماري عريق، وسيكون من المؤلم أن نصحو ذات يوم فنكتشف أن جدة العريقة قد أصبحت مدينة بلا هوية تاريخية.
بل إن الحديث الآن هو عن إنقاذ القليل المتبقي فقد زال الكثير، وهذا ما يعرفه حتى المعاصرون من سكان جدة ولا أقول الأجيال القديمة!