كانت وجوه الحضور في ذلك المساء الجميل بمنطقة الجوف تطفح بالبشر وهم يستمعون إلى تفاصيل المشروعات الصحية التي تم تدشينها في سكاكا في منتصف الأسبوع الماضي. وكنا مع الحضور في الحفل الخطابي نتابع فقرات البرنامج، ونستعيد ما كنا قد شاهدناه أثناء جولتنا الصباحية على المشاريع مع وزير الصحة الدكتور عبدالله الربيعة وقيادات الوزارة.
مستشفيان بسعة 300 سرير لكل منهما، أحدهما تخصصي، ومركز تخصصي للأسنان، وآخر للسكري، وكلها تبدأ في تقديم الخدمات فوراً لخدمة أهالي المنطقة. ومدينة طبية تحت الإنشاء تبدأ في تقديم خدماتها في 2016 لمنطقة الجوف ومنطقة حائل ومنطقة تبوك ومنطقة الحدود الشمالية.
وكما جاء في مقالي السابق، فإن المستشفيات والمراكز الجديدة مزودة بأحدث التجهيزات الطبية. لكن السؤال الذي كان محل نقاش الجميع هو عن مدى قدرة الوزارة على توفير الأطباء الاستشاريين ذوي المهارات العالية في التخصصات المطلوبة، وكذلك الكوادر الفنية الطبية اللازمة لتشغيل هذه المنشآت.
هذا هو التحدي الكبير؛ فالكوادر البشرية في التخصصات الصحية نادرة على المستوى العالمي، ولا تفي لمواجهة الطلب الكبير عليها. وقد سرَّني أن أسمع من الوزير ومن الدكتور نهار بن مزكي العازمي المدير العام التنفيذي لمدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الطبية أن المدينة قد بدأت في ابتعاث طلبة سعوديين للدراسة في الخارج منذ بعض الوقت في مختلف التخصصات الطبية؛ وذلك للعمل في المدينة عند تخرجهم؛ لتكون هذه الكوادر الوطنية جاهزة إن شاء الله، أو بعضها، عند افتتاح المدينة. وقد لاحظتُ أن الوزارة أخذت في الاعتبار عنصر الاستقرار بالنسبة للكوادر؛ فأعطت أبناء وبنات المنطقة الشمالية أولوية في الابتعاث باعتبار أن هؤلاء هم الذين سوف يستقرون في منطقتهم بعد التخرج، ولا يطلبون النقل إلى خارجها.
وكمثال، فإن الدكتور نهار العازمي هو من أبناء المنطقة، وقد سرني حماسه ومعرفته بظروف المنطقة واحتياجاتها. كما سرني أيضاً أن أستمع أثناء الجولة في المركز التخصصي للأسنان إلى شرح مديرة المركز الدكتورة هيام البحيران، وهي من بنات منطقة الجوف، ومستقرة هناك، وقد أبهرت الحضور بحيويتها وهي تشرح للوزير ومرافقيه مكونات المركز وتجهيزاته.
إن مناطق شمال المملكة بأمسّ الحاجة إلى مشاريع صحية تريح المواطنين من عناء البحث عن الخدمات الصحية في الرياض وغيرها من المدن الكبرى، أو الاستطباب في البلدان المجاورة، خاصة الأردن، التي أصبحت بعض مستشفياتها ومنشآتها الصحية تعتمد إلى حدٍ كبير على العوائد المالية المتحصلة من مرضى المناطق الشمالية. كما أن إقامة مثل هذه المشاريع في الجوف وفي غيرها من المناطق، التي ما زالت تعاني من نقص الخدمات الصحية، سوف تخفف من الضغط الذي تعاني منه المستشفيات الكبرى في الرياض.
من المؤكد أن المشاريع الجديدة سوف تسهم في مواجهة الطلب على الخدمات الصحية، لكن أهالي المناطق الشمالية يتطلعون إلى عام 2016 عندما تبدأ مدينة الأمير محمد بن عبدالعزيز الطبية في تقديم خدماتها التخصصية الأشمل والأعمق إن شاء الله.