كل الشكر لنادي حائل الأدبي الثقافي ولفرع هيئة حقوق الإنسان بحائل على إقامة ندوة متميزة بعنوان «وطنٌ خالٍ من التمييز» بمناسبة اليوم العربي لحقوق الإنسان. فموضوع الندوة مهم للغاية، واختيار اليوم العربي لحقوق الإنسان هو توقيت موفق.
غير أن ما يلفت الاهتمام هو أن تأتي هذه المبادرة الطيبة من هيئة حكومية رسمية هي هيئة حقوق الإنسان وبمشاركة جهة ثقافية هي نادي حائل الممول حكومياً وتطرح موضوعاً بالغ الحساسية وبمثل تلك الصراحة الرقمية التي أظهرها الاستبيان الذي نُشِرتْ نتائجه في الصحافة المحلية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وقد جاء في جريدة الوطن أن الاستفتاء الذي أجرته هيئة حقوق الإنسان على 1500 شخص عن التمييز القبلي والمناطقي أن 57 بالمائة من الأشخاص المستطلعة آراؤهم يشعرون بالتمييز العنصري بينما أجاب 19 بالمائة أنهم يشعرون بالتمييز أحياناً.
سنفترض أن هذا الاستطلاع الذي أجرته الهيئة قد تم وفق المفاهيم والمعايير الإحصائية العلمية السليمة، وبالتالي فهو يعبر عن الحقيقة وفق درجة معنوية معينة (بالمفهوم الإحصائي) ومقبول - على الأقل - كمؤشر يستفاد منه لدراسة هذه الظاهرة.
صحيح الأرقام مقلقة، لكنني لم أتفاجأ بالنتيجة التي أسفر عنها الاستطلاع، فنحن لازلنا بعد حوالي قرن من توحيد البلاد غير قادرين على التخلص من بقايا المناطقية والقبلية. وأنا لا أتحدث هنا عن اهتمام الإنسان بمنطقته أو بقبيلته، فمثل هذا الاهتمام هو أمرٌ طبيعي وهو جزء من التركيبة النفسية للإنسان وإنما أتحدث عن ظاهرة التعنصر التي تجعل الولاء للقبيلة وللمنطقة فوق الولاء للوطن وتصادر أو تقلل من حقوق الشخص الآخر عندما يكون من منطقة أخرى أو من قبيلة أخرى.
هذه المناطقية والقبلية المتعنصرة تعشعش في بعض الأجهزة الحكومية والأهلية، وهي واضحة وجلية ولا تحتاج إلى إثبات لأن المواطن يلمسها من خلال مراجعة بعض الجهات ويرى التكريس المناطقي في توظيف أهل منطقة أو إقليم أو حتى بلدة معينة في تلك الجهات وذلك بذرائع واهية لم تعد مقبولة في زمن الشفافية الذي نعيشه. لقد عم السلام، ولله الحمد، بلادنا بعد توحيد معظم مناطق وأقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة ترفع شعار العدل والتوحيد «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بعد قرون طويلة من الفتن المناطقية والقبلية، ومن حق الوطن علينا أن نحارب كل أشكال التفرقة والتمييز وندفن الإرث المتبقي في بعض النفوس عن التمايز، وبهذا نحافظ على وطننا العزيز ونحميه من الفتن التي عمت الكثير من أنحاء العالم.
مرةٌ أخرى، شكراً للنادي الأدبي الثقافي في منطقة حائل وفرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة على طرح هذه القضية الوطنية المهمة للتحاور والنقاش، فبمثل هذه النقاشات الشفافة والعاقلة نحمي ونحافظ على الوحدة الوطنية؛ تلك الوحدة التي ندرك أهميتها في كل حين ويتعاظم إدراكنا لأهميتها ونحن نتابع أخبار بؤر التحارب المناطقي والطائفي والقبلي في أجزاء عديدة من عالمنا العربي.