تاريخ 1-7 من كل عام هجري يمر بنا حاملا معه قافلة من المتقاعدين في العمل الحكومي، ممن أكملوا المدة النظامية التقريبية في الوظيفة نحو «ستون» عاما، وهو اقتراح توافقي لمن لا يعرفون أو لم تحدد تواريخ ميلادهم باليوم والشهر، فيحالون على المعاش أو التقاعد بقوة النظام، وبلوائحه المنظمة له، حتى شاع هذا التاريخ كحالة معتمدة من حالات النظام الوظيفي.
وما دمنا حول الوظيفة وهمومها فإن تسمية نظام «التقاعد» قد يكون من الأمور الثقيلة على النفس، وربما عند البعض تكون مرعبة ومخيفة لا سيما لمن تعاطى العمل الوظيفي بشكل دائم وصارم، وربما «الإحالة على المعاش» هي الأفضل في الوصف و التعريف من «التقاعد» الذي يعني أو يعبر عن القعود والعجز ونهاية المطاف، والمؤلم فيها أيضاً عبارة: (يحالون على التقاعد بقوة النظام) التي تكتب في قرارات رحيلهم، بلغة أو بأسلوب يوحي بجفاف المفردة وخلوها من مضمون النهايات السعيدة، أو التعابير اللطيفة في تلويحة الوداع لهؤلاء بعد هذه المهمة.
هذه الفئة ممن يحملون تواريخ ميلاد مفترضة في 1-7 من كل عام بدأت تتناقص هذه الأيام، لأن مجتمعنا بات حديثاً يدون ميلاده باليوم والشهر بل بالدقيقة والساعة، ولم يعد منتصف العام الهجري في 1-7 هو يوم رحيل شبه جماعي على نحو ما حدث في أعوام سابقة لمن ليس لديهم تواريخ ميلاد محددة.
ورغم أن هذا التاريخ جاء افتراضيا وتجربة من ضمن التجارب فقد أصبح حدثا هاما ومؤثراً وأمراً فريدا من نوعه.. فكيف جاء هذا التاريخ وما قصته الطويلة أو القصيرة أو الفريدة؟! فالشعب السعودي وهذه حقيقة نحسب أنها جميلة ومميزة أن الأحوال الاجتماعية والمعيشية في بدايات حياتنا وتكويننا الوطني كانت على التساهيل، ومليئة بالعفوية، والترحال والنزوح من مكان إلى آخر وفق تحولات بيئية، أو حسب الفصول، على نحو الربيع في حياة أهل البادية، وربما ندرة التوليد في المستشفيات والمراكز الصحية في القرى والأرياف التي كانت تمر فيها سيارة «الصحية» يوماً في الأسبوع أو الأسبوعين.
فهناك من ولد بجوار نخلة، و آخر تحت شجرة طلح، أو غضاة في أعماق النفود، أو في تضاعيف جبال نائية وقصية، فالبراري القفر كانت مكاناً لميلاد الكثيرين من أبناء الريف الذين لا يشغلهم في ذلك الوقت سوى البحث عن قوت، فكان يتعذر عليهم - آنذاك - بلوغ المستشفيات بزوجاتهم أو أخواتهم على قلتها، فكانت القابلات المتطوعات هُنَّ من يقمن بهذا الدور، وبعد شهور أو سنين يذهب الرجل بأبنائه ثلاثة أو أربعة إلى مراكز المواليد، أو ما كان يسمى الأحوال المدنية والجنسية، ليضع للجميع تاريخ ميلاد تقريبي، قد يزيد أو ينقص، والغريب في الأمر أنه قد يزيد أيضاً عدد أبنائه في الهوية.. «التابعية» لأمر ما يضمره على نحو طلبه المعونة المالية البسيطة المسماة آنذاك: «الشون» أو «العَجَزة» التي كانت تمنح للمحتاجين.