أكتب اليوم الجمعة, وقد أعلن وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما في زيارة رسمية للرياض. ما دفعني للكتابة هو أصوات تحليق طائرات الهليوكوبتر وهي تكرر لفاتها فوق منطقتنا قرب حي السفارات. من ضرورات توفير الحماية الأمنية للرئيس ومرافقيه في الرحلة.
تويتر يعج بالصور المتناقلة عن خطواته منذ لحظة استقبله سمو أمير الرياض في المطار, حتى سلامه على الملك, وتفاصيل دعوته لروضة خريم. شخصياً أعتقد أن الرئيس أوباما يحترم خادم الحرمين كثيراً.
أستعرض شريط علاقتنا بالولايات المتحدة منذ ثلاثينات القرن الماضي بين الملك المؤسس عبد العزيز والرئيس روزفلت. عقود من متغيرات الاقتصاد والسياسة محلياً وعالمياً. مررنا خلال ذلك بخمسة ملوك رحمهم الله, وعدد لست متأكدة منه من الرؤساء, عبر حربين عالميتين, وتأسيس إسرائيل, وعدة حروب بسببها. ظللنا على علاقة إيجابية متقلقلة عبر صراعات على التيار الفكري المهيمن, وقطع إمدادات النفط، وتملك شركة أرامكو، وتصدر أرامكو السعودية كأكبر شركة مصدرة للطاقة عالميا. تأثرنا أيضا بما حدث في المنطقة من انقلابات عسكرية وحروب أهلية وتمدد خارطة إسرائيل محاصرة الفلسطينيين في غزة وما تبقى من الضفة الغربية, وظلت متمسكة بالقدس تعض عليها بالنواجذ, وببناء المستوطنات للقادمين من أصقاع الأرض.
لو قابلت الرئيس أوباما لقلت له: تميزك ومعاناتك لم تغب عنا.
وتجربتك تستحق الاحترام. بارك أوباما رئيس يختلف عمن سبقه. هو أول رئيس أمريكي له جينات أفريقية وروابط مع المسلمين. بل إن والده مسلم مما سبب له إشكالات عند ترشحه للرئاسة.
وفوزه في الانتخابات مرتين يمثل نقلة نوعية في تطبيق الديمقراطية التي يفتخر بها الأمريكيون, بقدر ما نفتخر نحن بديننا وشريعتنا. وجميل أن تتطابق شعارات القيم مع ممارسات الواقع. ولكن ذلك لا يتحقق دائما.
وليس هذا هو الفرق الوحيد للرئيس أوباما عن من سبقوه فهو أيضا رجل مثقف ومحنك وضد العنصرية وتبرير ممارستها. ولذلك لم يستطع اللوبي اليهودي أن يسيره بضغوطه، كما فعلوا مع التيار اليميني المحافظ الأسبق. باراك أوباما ليس له كاريزما جورج واشنطن أو روزفلت, أو كنيدي، ولكنه أيضا ليس نيكسون ولا جورج بوش الأب أو الإبن. واضح أن إسرائيل لا تحبه, فقد كسر قاعدة الخضوع لإملاءاتها, ولكن عملاءها لم يستطيعوا ا تلويث سمعته كما فعلوا مع آخرين.
وفي عهده لم نسمع بأحداث تكاد تكون من الخيال العلمي كتفجيرات برجي نيويورك، وإن شهدنا نهاية المسلسل بمقتل أسامة بن لادن. وفي عهده أيضا أزهرت بذور الفوضى الخلاقة التي زرعت من قبل لتحقق خارطة شرق أوسط جديد.
وكان عليه التعامل مع نتائج «الربيع العربي» غير المحسوبة, وترويض تجاوزات السي آي أيه وممارساتها, ومحاولة استعادة الثقة وأجواء التعاون وإيقاف فتيل التصعيد مع إيران. ولم يكن طريقه سهلا وهو يتفاعل مع مشاكل الإتحاد الأوروبي وميراث الناتو، والتعامل مع صعود الصين اقتصاديا، وتعثر الولايات المتحدة وصراعات التيارات وانبعاثات الصراع الروسي الأمريكي على سيادة العالم بعد فترة القطب الواحد التي لم تدم طويلا.
رجل أثبت صموده .. ماذا جاء يعمل في الرياض؟ لقد ألغى زيارته لبقية عواصم مجلس التعاون الخليجي ولكن علاقة أمريكا مع الدوحة ما زالت قائمة وقواعدها هناك لن تستغني عنها. ومع هذا فالسعودية هي الأهم بين الشقيقات .. وقد استبقت زياراته بقرارات تؤكد الاستقرار المستقبلي.
بعد الزيارة ستعلن بعض التفاصيل بالتأكيد.. ولا أشك أن العلاقة الطويلة تتمتع بمرونة التأقلم مع المستجدات مثلها في ذلك مثل قدرة المملكة على التعامل مع مستجداتها واتخاذ قرارات تتميز بفاعليتها ومواءمتها لواقع الأحداث.
لن يكون باراك أوباما آخر رئيس يزور المملكة وستظل العلاقة قائمة كما نرى بمنظور علاقة مشتركة : ليس فقط لا ضرر ولا ضرار, بل مصالح متبادلة، نتأمل أن تلقى الاهتمام والاحترام في علاقة ثقة مستحقة.