من الأوصاف التي تكرهها الطائفة الشيعية أن يُسموا بالرافضة بدلاً من الشيعة. فهم يعتبرون أنفسهم مناصرين لآل البيت، وامتداد لمن (شايع) علي - رضي الله عنه - وبنيه، فيجب أن يُسموا بهذه الصفة (شيعة أهل البيت) لا الرافضة.
بحثت عن أصل هذه التسمية تاريخيا، وسببها، ومن أول من أطلقها، وماذا تعني؟ .. فوجدت أن أول من سماهم بهذا الاسم هم (الزيدية) أو بلغة أدق أصحاب المذهب الزيدي الذي يتفرع منهم الآن الحوثيون، حلفاء دولة الملالي كما هو معروف. جاء في كتاب (الحوثيون: سلاح الطائفة وولاءات السياسة) والكتاب من إصدارات (المسبار) ما نصه: (بل إن بعض المصادر الزيدية المعاصرة لتقرر - تبعاً لما هو ثابت في أمهات المصادر التاريخية - أن الوصف بالرفض الذي ينزعج منه الشيعة الإمامية المعاصرون، قد سنه الإمام زيد حين اشترط بعض غلاة الشيعة الذين كانوا معه - كي يخرجوا معه ويقاتلوا - أن يتبرأ أولاً من أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وحين أبى ذلك رفضوا القتال معه، «فقال لهم: اذهبوا فأنتم الروافض، فصارت هذه الكلمة علماً لهم). والمعلومة المذكورة مأخوذة حسب ما هو مُنصص عليه في البحث عن (علي عبدالكريم الفضيل شرف، الزيدية: نظرية وتطبيق).
الغريب أن ما تبقى من مذهب الزيدية في اليمن وهم (الحوثيون) أو بلغة أدق ناشطوهم، انضووا مؤخراً لأسباب محضة سياسية إلى الشيعة الإمامية، الفرع الفارسي، أو كما يروق للبعض أن يسميهم تمييزاً لهم عن الشيعة العرب، (الشيعة الصفويّة). فأصبحوا ضمناً صفويين، رغم أنهم ينكرون ذلك، يقول أحد منظري الحوثييين «محمد بدر الدين الحوثي» مؤكداً على زيديته: (نحن لُب الزيدية عقيدة وفكراً وثقافة وسلوكاً. ونسبة الزيدية إلى الإمام زيد بن علي عليه السلام هي نسبة حركية وليست نسبة مذهبية كما هي بالنسبة لأتباع الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وغيره من أئمة المذاهب. ومن ادعى أننا خارجون عن الزيدية ـ سواء بهذا المفهوم الذي ذكرناه أو غيره فعليه أن يحدد القواعد التي من خلالها تجاوزنا المذهب الزيدي وخرجنا عنه، ولكن بمصداقية وإنصاف). في حين أن «محمد بن عبدالعظيم الحوثي» وهو أحد علماء الزيدية، وقريب - أيضاً لمؤسس الحركة، فيتهم حركة قريبه بأنهم ملاحدة وليسوا من الزيدية في شيء وحكم عليهم بالردة، والخروج عن ما وصفه «بمذهب آل البيت». وقد رد الحوثيون على هذه الاتهامات بأن قالوا إن الفقهاء الزيدية المعارضين لتوجهاتهم هم (علماء سلطة). كما هو التصنيف المعتاد والمتداول عندما يختصم أرباب الإسلام السياسي فيما بينهم.
وحركة الحوثيين هي بلا شك جذورها (زيدية)، غير أن تحالف أربابها السياسيين الجدد في اليمن مع إيران (الصفوية)، رغم ما بينهم وبين الشيعة الإمامية من اختلافات عميقة، خاصة في النظرة للخليفتين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما، جعلهم يخرجون عن أصول المذهب الزيدي التقليدي، ويتلمّسون لهم طريقاً يُسوغ لهم تمويل حركتهم السياسية من الإيرانيين، وحزب الله اللبناني الشيعي، وليس أبعد من ذلك.
وإذا جاز لنا التشبيه فإن (الزيدية الحوثية) هي أشبه ما تكون بالسلفية (السرورية) في بلادنا؛ فهي تأخذ من السلف والسلفيين المسائل العقدية والشكلية فقط، بينما يتبعون في الممارسة السياسية (جماعة الإخوان) إتباعا كاملاً؛ لذلك لا قيمة لنظرية (الطاعة) السلفية عندهم، وإن التزموا شكلاً وظاهرياً بضوابط الحركة السلفية الموروثة الأخرى التي لا تتناقض مع فكرة (التمرد) على الساسة والسياسيين.
كل ما أريد أن أقوله هنا: إن وصف (الرافضة) هو وصف جاء من الزيدية، هم من ابتدعوه، وهم أول من وظفه توظيفاً سياسياً، ولا علاقة لأهل السنة والجماعة بابتداعه وترويجه.
إلى اللقاء..