سحبت المملكة والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في خطوة احتجاجية على تدخلات قطر المتكررة في الشؤون الداخليَّة لتلك الدول.
وكان سمو أمير قطر قد تعهد (خطيًا) أمام الملك عبدالله، وبحضور سمو أمير دولة الكويت، بأن يكفَّ عن التدخلات في الشؤون الداخليَّة لتلك الدول؛ قبول أمير قطر بالتعهد الخطي على ما ووجه به في ذلك اللقاء هو اعتراف ضمني بأن الاتهام كان صحيحًا وإلا لماذا يوقع عليه؟ .. إلا أنّه لم يف بتعهداته، واستمرت الدوحة في تدخلاتها حتَّى وصلت الدول الثلاث مجتمعة إلى اتِّخاذ هذه الخطوة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ المجلس.
ما الذي تريده قطر من هذه الممارسات والتدخلات غير المسبوقة بين دول مجلس التعاون؟
هذه من الأسئلة التي تلقاك في المجالس وفي مواقع التواصل الاجتماعي على الإنترنت ويصعب الإجابة عليها، لأنك لا تستطيع أن تجد أيّ نسق منطقي مترابط للسياسة الخارجيَّة القطرية في تعاملاتها الخارجيَّة.
فهي تدعم الشيء ونقيضه في الوقت نفسه؛ تدعم -مثلاً- جماعة الإخوان، وتفتح لهم خزائنها على مصاريعها يغرفون منها دون حساب، وفي الوقت ذاته تدعم جماعة الحوثيين في اليمن، بالرغم من أن الحوثيين وجماعة الإخوان على عداء سافر.
وتدعم القاعدة، وتسهل لها اتِّصالاتها، ومن خلال قناة الجزيرة القطرية تُمرر رسائلها الإعلامية. وكذلك تدعم (جبهة النصرة) وتموّلها لأن الجيش الحر خرج عن خطّ قطر وتوجهاتها، فدعمت جبهة النصرة للانتقام منها بالرغم من أن هذه الجبهة فرع من القاعدة، عدوة الأمريكان الذين يقيمون في قاعدة ا(العديد) الأمريكية على بعد كيلومترات من مقر قناة الجزيرة.
كما أنها تدعم أساطين القوميين العرب؛ مثل «عزمي بشارة» المسيحي الفلسطيني الذي هو من رموزهم المعتبرين، ويُقيم في قطر، ويوزع الشيكات والإعانات بلا حساب على كلّ من تلمس فيه من الشباب الخليجي بوادر تمرد وثورية.
كما أنْشأ القطريون في عاصمتهم (الدوحة) مُنظمة تعنى بالحث على الثورات والتمرد وتغيير الأنظمة تحت اسم (أكاديمية التغيير) يرأسها ويُديرها المصري «هشام مرسي»، وهو زوج ابنة القرضاوي.
وتحوي برامج ودورات نظرية وتدريبات عملية على الثورات والتمرد والمظاهرات وأعمال الشغب، وأغلب قاصديها هم من الشباب الخليجي، والسعوديون بالذات، بغض النظر عن توجهاتهم الأيديولوجية؛ المهم أن يكون (المتدرب) أداة لزعزعة الاستقرار ونسف الأمن وإثارة الشغب، وقبل ذلك كلّّه الإيمان أن (الدوحة) هي قطب الرحى للتغيير في الخليج.
قد أفهم مثل هذه التوجُّهات لو أن النظام الحاكم في قطر نظام (ديمقراطي)، يؤمن بالتعددية والتوجُّهات السياسيَّة المختلفة، وبالحرية بمعناها الواسع، ويسعى إلى ترسيخ ما يؤمن به.
لكن الواقع على النقيض من ذلك تمامًا، وليس أدل على ذلك من قضية الشاعر القطري (محمد بن الذيب) الشهيرة، فقد حكمَ عليه قاضٍ سوداني في قطر بسبب قصيدة بالحكم المؤبد - (تصوروا) -، ثمَّ لما وجدوا أن الحكم (ما ينبلع) خففوه إلى خمس عشر ة سنة كما يقولون. والسؤال: لماذا لم يُعامل ابن الذيب بذات المعايير التي تروّجها (أكاديمية التغيير)؟
القضية إذن لا تحتمل إلا احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الدوحة من خلال هذه الممارسات تُنفذ نيابة عن الأمريكيين مؤامرة (الفوضى الخَّلاقة) التي سبق أن أشارت إليها وزيرة الخارجيَّة الأمريكية السابقة «كوندليزا رايس» وهذا - بالمناسبة - ما يؤكِّده كثير من المحللين، أو أن قطر تعاني من مراهقة سياسيَّة، هي أقرب إلى (اللعب بالنار) منها إلى السياسة المتزنة الحصيفة.
وليس ثمة احتمال ثالث.
الآن اتضحت الرؤية تمامًا، ولا أتوقع أن قطر ستتراجع عن ممارساتها ضد الدول الثلاث. لذلك يجب أن (نضغط) أكثر، وأن نبلُغَ بالسيل الزبى؛ فمازال هناك الكثير من الخطوات التي بالإمكان اتِّخاذها لكبح جماح هذه المواقف السياسيَّة كي يشعر الإنسان القطري (غير المسيس) مدى المأزق الذي وضعه فيه ساسة بلده.
فالقضية قضية وجود واستقرار وأمن، ويجب أن نبادر إلى اتِّخاذ خطوات أخرى تصعيدية لتفعيل هذا الغضب عمليًا على الأرض بعد أن صبرنا كثيرًا على هذه التجاوزات غير المسؤولة ولم يعد في الإمكان الصبر أكثر.
إلى اللقاء.