فحوى العنوان أعلاه ليس اجتهاداً مني بقدر ما هو قراءة للوجوه والسحنات، واستناداً إلى شواهد ومواقف ومناسبات سابقة مثبتة بالصوت والصورة، منها القريبة، ومنها البعيدة، ومنها الماثلة الآن؟؟!!.
** ولعل خسارة الهلال الأخيرة في إيران.. وما أفرزته من ردود أفعال لدى شريحة معروفة بعدائيتها للهلال كامتداد لنهج وثقافة ضاربة في عمق التاريخ، إنما تبرهن وتكشف عن مدى وحجم (الوباء) الذي ينخر في جسد رياضتنا، الذي بدأ يلقي بظلاله اجتماعياً وأخلاقياً، إلى الحد الذي لم يبارك أحدهم للآخر بفوز العميد آسيوياً، وإنما بارك له خسارة الهلال؟!!.
** لا أحد يطلب من هؤلاء الذين ابتلاهم الله حتى امتلأت نفوسهم بالحقد والكراهية، أن يغيروا ما بأنفسهم امتثالاً لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} فذاك شأنهم.. لكننا نطالبهم بأن يضمروا بلاويهم، أي يستتروا، ولا يجاهروا بسوءاتهم حتى لا تزداد انتشاراً وتصبح بالتالي من الممارسات المباحة على غرار مصطلح (الوطنية) في الرياضة، الذي تحول إلى عباءة يرتديها الشخص حين يشاء، ويخلعها حين يريد، أي حسب الميول.
يسألونك عن التعصب؟!
قلنا وكررنا.. أن ثمة فوارق شاسعة بين التعصب والتطرف، لكن من الواضح أن لا أحد من جماعة (الغاية تبرر الوسيلة) يريد أن يفهم ويتفهم هذه الفوارق طالما أن ثمة هدفا، وطالما أن هناك فوائد ومكاسب؟!!.
** فبحسب المتداول الآن في هذا الصدد عبر المنابر الإعلامية إنما يدور في حلقة مفرغة.. فالكل في نظر الكل متعصب.. والكل في نظر الكل براء من التعصب، ولكل من هؤلاء وأولئك معاييره ومتكآته (اللي ما تخرّش الميّة) على رأي أهل مصر؟!.
** هاتوا لي أي واحد من هؤلاء الذين صدّعوا رؤوسنا صباح مساء عبر الفضاء، ومن خلال بياض الورق متدثرين بجلابيب البراءة من التعصب، رافعين شعارات نبذ التعصب، مطالبين باجتثاثه من وسطنا الرياضي، أقول: هاتوا لي أحد هؤلاء ليعترف أمام الملأ بأنه متعصب ولو بدرجة مقبول، وأنه على استعداد بالتالي للتكفير عما اقترفه بحق الآخرين ولو بالكف عن أذيته لهم على أقل تقدير؟!!.
** يأتي الواحد من هؤلاء (العِفاف، النظاف، السليمة شرايينهم من (كولسترول التعصب) إلى الاستوديو مدججاً باكسسواراته البراّقة المكونة من ساعة من الحجم الكبير التي تطوّق معصمه وغالباً ما يكون معصم اليد اليمنى، ولا مانع من إسنادها أحياناً بإسورة في المعصم الآخر.. مع ضرورة إبراز الخواتم والكبكات لزوم (الكشخة) التي تتطلبها السوق البرامجية.. ومن ثم يبدأ في (دلق) تُهم التعصب التي لا تصيب ولا تصب عادة إلاّ باتجاه النادي الذي لا يستسيغه، شاملة إدارته وإعلامه وجماهيره وكل ما يمت له بصلة باعتبارهم سبب (عكننته) وبالتالي فإنهم دون سواهم حملة لواء التعصب!!!.
** العجيب في الأمر أنك لو كنت المذيع (النزيه، الحرّيف) الذي يحاور ذلك الضيف العفيف النظيف الخفيف، ثم سألته : ألا يوجد في نواحيكم تعصب، فسيرد عليك بكل صفاقة: نحن فقط نمارس ردود أفعال على ممارسات إعلامية حدثت سنة حفروا البحر، ولو قلت له: طالما أنت تتكئ على الماضي وتتخذ من بعض أحداثه مسوغات لإدانة الغير، فما قولك في الواقعة الفلانية، والواقعة العلانية، والأخرى المشهودة، والرابعة والخامسة، والتي حدثت جميعها من أطراف ينتمون للون المفضل لديك، ألا تعتبر كوارث حقيقية بحق المنافسات الشريفة، والقيم الاجتماعية والأخلاقية، وحتى الدينية.. وهي من أسس للكثير مما يحدث اليوم من مظاهر الكراهية.. أفلا يحق لهم أيضاً اجترارها والتذكير بها مثلما تفعل أنت.. عندها لن يجد أدنى غضاضة في المراوغة، وإنكار ما قاله منذ لحظات.. وإن أصررت في الحصول منه على إجابة واضحة فلا أقل من افتعاله لزوبعة وفوضى كلامية في سبيل خلط الأوراق لكي ينسلّ من حرج الإجابة انسلال الشعرة من العجينة، أو الدودة من الطينة؟!!.
** الأغرب والأعجب من هذا، أنه لو مارس شريكه في الحوار حقه في ذكر أي جانب إيجابي يتعلق بالنادي المنافس، فالويل والثبور، وباعتباره من ذوي الألسن الطويلة التي لا تعترف بآداب الحوار ومقارعة الحجة بالحجة، فلن يدعه يكمل حقه في شرح وجهة نظره، بل يقطع حديثه على الفور مستعرضاً قدراته في الثرثرة بصوت عال إمعاناً في تشويه الجانب الإيجابي الذي أثار حفيظته من لدن الطرف الآخر، لأن قبوله بذلك يعتبر إخلالاً وخرقاً للمهمة التي حضر من أجلها؟!!.
** ما تقدم لا يعني الكل.. وإنما يعني الغالبية (الصفراء).. ومن لم يصدّق فما عليه سوى الصبر على متابعة النسبة العالية من البرامج التي تستهدف المتلقي السعودي بشكل خاص، فسيرى العجب العجاب.
** التعصب بمفاهيمه المختلفة والنسبية موجود منذ الأزل وسيظل، ولن يكون بمقدور كائن من كان إلغائه، ولكنه يظل في نطاق المقبول ما لم يتجاوز الحدود والضوابط المرعيّة.
** الخلاصة: ما يجري الآن من ممارسات، لعل آخرها ما تناقلته بعض الوسائل الإعلامية منذ أسبوع، فحواه تورط مجموعة من المحسوبين على وسطنا الرياضي بتقديم المعلومات اللازمة للفرق الأجنبية التي تساعدها على هزيمة الفرق السعودية في معتركاتها الخارجية.. وهي ليست بجديدة، فقد سبقتهم إحدى صحفنا لنيل هذا الشرف قبل نحو من عشرين سنة عندما كان الهلال في القاهرة ممثلاً للكرة السعودية، والمشكلة أن الكل يعرف تماماً مبعث هذه الممارسات الشاذة، والبؤرة التي تخصصت في تصديرها ولكن لا أحد يستطيع الوقوف في وجهها لأنها فوق الأنظمة والأعراف!!.
** أقول : إن هذه الممارسات وما شابهها لا تعتبر تعصباً وإنما هي (تطرف)، وأن التنافس البرامجي التلفازي على اجتذاب أكبر قدر ممكن من الدهماء، هو من يرعاها ويغذيها ويبلورها بعد أن أضحت بضاعة رائجة ومربحة.
** خلاصة الخلاصة: إذا أمعنا النظر في خلفيات وأطروحات معظم الذين يتصدّون للتنظير عن التعصب عبر الشاشات على مدى سنوات، سنجد أنهم أحوج ما يكونون للتقويم قبل القيام بهكذا مهمات.