بكثرة الصمت تكون الهيبة وبه تُمْتلكُ مقاليد القوة.. والحكماء هم من كان الصمت لغتهم.. لكن ماذا لو ثارت لغة صمتِ العظماء والحكماء عندما يطفح الكيل تمادياً وتطاولاً..
هنا تكون فرصة ظهور الحكمة لإلجام اللسان عن فضول الكلام. كان الإسلام ولا زال العامل الأول المؤثر في تحديد أولويات سياسة المملكة العربية السعودية منذ نشأتها وتأسيسها على يدي المغفور له الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود..سياسة قائمة على ثوابت ومعطيات دينية جغرافية.. تاريخية اقتصادية.. أمنية وسياسية وضمن أطر أساسية أهمها حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى إلى جانب دعم وتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي ومن هذا المنطلق ظلت الدائرة الخليجية من أهم دوائر السياسة في المملكة العربية السعودية.. لذا ما يمسُّ هذه الدائرة من تطاول أو اعتداء يعتبر مساساَ بالسعودية نفسها.
فإذا كانت سياسة المملكة العربية السعودية ترتكز على مبادئ وأسس ثابتة ومن بينها الالتزام بمبادئ الأخوة والترابط.. والنأي بنفسها عن التدخل في الشأن الداخلي لأي دولة ومن بينها دول الخليج العربي.. فإنها في ذات الوقت لا تقبل بأي شكل من الأشكال التدخل في شأنها الداخلي بهدف إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار.. كما أنها تقف بكل حزم في وجه كل من يرفع الشعارات والمزايدات المضرة بأمنها واستقرارها؛ سواء كان ذلك من الداخل أو من الخارج.. وهذا ليس غريباً على دولة يتمتع فيها ولاة أمرها بالحكمة والتروي.. وبعد النظر ما يجعلها تلزم الصمت في كثير من المواقف التي تمس كيانها بغية معالجتها بعين الثاقب الحكيم.. فإن لم يجدِ ذلك فآخر الدواء الكي وفي خطوة قوية.. صارمة وحاسمة صدر بيان وزارة الداخلية في المملكة العربية السعودية يحدد الجماعات الإرهابية ويحظر أنشطتها داخلياَ وخارجياَ ليعكس هذا البيان مدى خطورة فكر هذه الجماعات والتنظيمات على الوطن والمجتمع وأبنائه بما يبثه ويغذي به عقول الشباب وصغار السن من أفكار متطرفة رمت بعضهم في أتون الصراع والقتال بدعوى الجهاد.
وبقدر ما كان بيان وزارة الداخلية واضحاَ في لغة خطابه كان صارماً.. وبقدر ما كان شفافاً في مضمونه ومغزاه كان حاسماً.. فإذا كان البيان قد جرَّم هذه الجماعات التي أوردها في بيانه وأدرجها تحت قائمة الجماعات الإرهابية.. فإن ردود الفعل العربية والدولية كانت متباينة إزاء هذا البيان ما بين مؤيد واصفاً إياه بالحازم.. وهذا ما أشار إليه رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي في رده على اتهامات المالكي للسعودية بأنها هي من تدعم الإرهاب في العراق حيث قال: القرار السعودي حول محاربة الإرهاب قرار جريء وقوي فكيف للمالكي أن يتهم السعودية بدعم الارهاب دون أن يقدم دليلاً.
يا سيادة رئيس وزراء العراق (المالكي) التاريخ يعيد نفسه، ويبدو أن جينات وراثية تربطك بهولاكو المغولي زعيم التتار الذي اجتاح بغداد عاصمة الخلافة العباسية فدمرها وأحرق مكتبة بيت الحكمة التي أسسها هارون الرشيد بعد أن ألقى بمحتويات المكتبة في نهر دجلة ليتحول ماء النهر إلى اللون الأسود من مداد الكتب.. وها أنت ومنذ توليك رئاسة وزراء وطنك تصنع ما صنعه هولاكو، ولكن بشكل مختلف، وأخشى أن يتحول نهر دجلة إلى اللون الأحمر عندها لن تستطيع تجفيف منبع الارهاب الذي حفرته بيديك في وطنك.