الأبناء هم أمل المستقبل ومحط الرجاء في كل أمة.. بهم تُناط الآمال وعلى أكتافهم تنهض الأوطان ويتحقق التقدم.. وعلى ضوء ذلك فإن للتنشئة الاجتماعية دوراً بالغاً في عملية بناء المجتمع ثقافياً ومعرفياً ونفسياً.. سياسياً واقتصادياً.. والأسرة هي المؤسسة الاجتماعية الأولى التي يقع على عاتقها جُلُّ الركائز الأساسية للتنشئة الاجتماعية والضبط الاجتماعي للأبناء.. لذلك فإن أنماط السلوك المختلفة سوية كانت أو غير سوية وطرق التنشئة إضافة إلى طبيعة التفاعلات بين أدوار الأفراد داخل الأسرة هي ما يؤثر سلباً أو ايجاباً في.....
..... إعداد وبناء شخصية الأبناء وصقل عقولهم ومدى قدرتهم في الوقوف بثبات أمام تحديات العصر حال خوضهم معترك الحياة.
لكن كيف يتصرف الآباء والأمهات وهم الأشد حرصاً على إكساب أبنائهم مناعة تحميهم من آفات زمن العولمة والانفتاح العشوائي على مختلف ثقافات وأخلاقيات وسلوكيات شعوب العالم والمتناقضة تماماً مع كل أخلاقياتنا المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف ومع تقاليدنا وموروثاتنا التاريخية.
العولمة الظاهرة التي تجمع النقيضين.. التغير والتطور وسرعة الاتصال مع الآخرين.. وولادة المشكلات والتحديات غير التقليدية.. العولمة ببصمتها السلبية والإيجابية هي ظاهرة العصر الذي نعيشه والموجة التي احتلت المكانة المتقدمة على الساحة العالمية هل أتاحت لنا توفير قدرة كافية للحفاظ على توازن أبنائنا وسط لوثة أفكارها ومؤثراتها السلبية المتمثلة في هيمنة ثقافات اجتماعية وأخلاقية لا تليق بمجتمعنا، بل والأخطر من ذلك كله التجاوز في حدودها والتعرض للمكونات الأساسية للغتنا وثقافتنا العربية ومحاولة قطع الصلة بين الأبناء وتراث أمتهم وتاريخها العريق.
فإذا كانت تربية الأبناء تعتبر من أصعب الأمور التي قد يعاني منها الوالدان ولا يستطيع أي أحد القيام بها.. فما بالنا بتربيةٍ في زمن غدت فيه العولمة البيئة الأسرية والمجتمعية والعالم كله بالنسبة لأبنائنا ولأن العولمة ما هي إلا خليط من ايجابيات وسلبيات وبالتالي تختلف طبيعة النظرة إليها وفقاً لطبيعة الناظر ومنظوره فإنه ليس من العدل أو الانصاف أن ننكر ما أتاحته لنا من إيجابيات تمثلت في الانفجار المعرفي المذهل في ظل ثورة علمية تكنولوجية تلاشت فيها الحدود بين الدول وفتحت آفاقاً ومجالاتٍ وميادين واسعة للحوار والتنافس وتبادل الخبرات في مجالات مختلفة من مجالات الحياة.
ولأن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ في أحضانها الأبناء وستظل الأكثر أهمية وتأثيراً خاصة في سنوات الطفولة.. لذلك يبقى لدورها أهمية مضاعفة في ظل تغيرٍ سريع وتحولات مطردة يشهدها زمن العولمة واللامركزية وما تطرحه من تحديات.. وفيض من أفكار ورموز وصور ودلالات تستهدف تفكيك الأسر وطمس هوية أبنائنا وتغريب لغتهم وفكرهم، بل تهدد دور الأسرة والمجتمع من القيام بواجبهما من خلال ما تحدثه من فجوة بين الآباء والأبناء بسبب الإدمان والجذب الشديد لوسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي.
وسائل أقل ما يُقال عنها بأنها تبلد المشاعر وتخدر الأحاسيس جراء البقاء أمامها لساعات طويلة.. ومن هنا ينشأ التباعد بين أفراد الأسرة الواحدة وبالتالي فإن نتاج تربية تقع تحت سيطرة هذه الوسائل ومهما تعاظم اجتهاد الآباء والأمهات للتخفيف من وطأتِها لن يكون إلا الفوضى الأخلاقية وغلبة الطابع المادي على تفكير الأبناء.. سيطرة الأبناء على الآباء وهذا مُشَاهد عند كثير من الأسر.. تدني المستوى العلمي والتفاعل مع الغزو الفكري من خلال ما يُبث ويُشاهد عبر وسائل الإعلام المختلفة.. هذا غيض من فيض لسلبيات العولمة وتأثيراتها على الأبناء.. فإذا كانت العولمة حركة اتجهت إلى جعل العالم قرية بلا حدود ولا حواجز وبالتالي سعت إلى تأكيد ثقافة واحدة متجانسة هي ثقافة الانفجار المعرفي وثقافة المال والتجارة والاستهلاك إلا أن الواقع يضعنا في صورة مشهد آخر للعولمة قوامه الغزو الفكري وانهيار القيم.. العنف والصراع وانتشار المفاهيم الفاسدة.. فإن كنا نتحدث اليوم عن إغراءات الانفتاح والعولمة.. فعلينا أن نعي بأن القادم سيكون أكثر انفتاحاً وتأثيراً سلباً أو إيجاباً.