شكلت الطبيعة ولا زالت بالنسبة للإنسان مجالاً حيوياً استطاع من خلاله ضمان استمرار حياته..كما أنها لازالت ذلك المجال الذي برهن الإنسان من خلاله على ما لديه من أفكار وقدراتٍ ومواهب.. فالإنسان هو الكائن الفاعل.. والطبيعة تشكل مجالاً لفعله.. وعن طريق هذا التفاعل المتبادل سعى الإنسان إلى استغلال موجودات الطبيعة ليحولها إلى نتاج يعتمد عليه لاستمرار عجلة الحياة.
في المراحل الأولى من تاريخ البشرية كانت علاقة الإنسان بالطبيعة علاقة تناغمٍ وانسجام وارتباطٍ وثيق.. فقد كانت الطبيعة مصدرَ تأملٍ والهام للإنسان ولنبوغه الفكري والتأملي كانت مجالَ بحثٍ ومعرفة للاستفادة من خيرها وعطائها وتجلى ذلك في علاقة الفلاسفة بالطبيعة فأقاموا معها علاقة حميمة.. غايتها السعادة والتوافق وفضاءٌ يحرك يقظتهم الفكرية.. وليس الفلاسفة وحدهم من أحسن التعامل مع الطبيعة فالشعراء والأدباء شكلت الطبيعة بالنسبة لهم مصدر ايحاء للتعبير عن الجمال والتغني به واستعارة بهائها لإضفائه على أفكارهم شعراً أو نثراً.
ومع مرور الزمن والتطور الذي تشهده البشرية تغيرت النظرة إلى الطبيعة على خلاف المرحلة السابقة خاصة بعد ظهور الصناعة التي مكنتْ الإنسان من التدخل في الطبيعة باعتبارها موضوعاً لنشاطه وسيطرته.. فسعى إلى تغييرها وتطويعها تلبية لطموحاته، مما أحدث ذلك تحولاً كبيراً في طبيعة هذه العلاقة.. فبعد أن كانت علاقة تناغم وانسجام وألفة أصبحت علاقة مواجهة وتمرد.. الإنسان يستغلها في المصنع والمعمل وهي تتمرد وتهدد سلامته وكيانه.. الإنسان يتمرد فيؤذيها ويلوثها بمخلفاته وهي تسترسل في تمردها المؤذي للبشر.
فإذا كان الإنسان قد استطاع أن يمتطي عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي بشكل واقعي وفعال فإنه لا يوجد في الطبيعة البشرية منجزٌ إلا ويأتي على حساب حالة مستقرة فتنشأ بذلك ردة فعلٍ إما ايجابية أو سلبية أو حالة تزاوج بين الاثنتين قد تطغى احداهما على الأخرى، لذا تعالت أصواتٌ مرعبة من علماء البيئة والبيئة الطبيعية تدعو الإنسان للكف من انتهاكاته لها فالإنسان في نظر علماء البيئة بات مُهَدَداً بانتقام البيئة منه وما الأمراض والأوبئة التي لم تكن معروفة من قبل وانتشرت في هذا العصر إلا إشارات لتهديدات البيئة للحياة البشرية وبناءً على ذلك فإن نمط حياتنا ومجمل سلوكياتنا يفرض علينا اليوم اهتماماً خاصاً بالبيئة التي نعيش فيها وأظن أننا بحاجة إلى ثقافة بيئية تمكننا من التعامل السليم مع البيئة فحتى الآن يجهل الكثير مفهوم البيئة أو أنه يدرك ماذا يعني هذا المفهوم لكنه يعتبر ذلك شأناً عاماً لا يخصه، وهنا تكمن الخطورة التي تعكس سلوكاً منافياً للأخلاق الإسلامية الكريمة.
إن قضية حماية البيئة والمحافظة عليها هي قضية الإنسان.. والإنسان هو موضوعها وهو غايتها ووسيلتها في نفس الوقت.. وإذا كانت المشكلة فيما مضى هي حماية الإنسان من البيئة الطبيعية وعناصرها فقد أصبحت اليوم حماية البيئة وعناصرها الطبيعية والحيوية من الإنسان ولكن من أجل الإنسان نفسه.. فإذا كان هذا الإنسان سبباً في خلق الأزمات البيئية وما يلحق بها من تدهور فكيف يسهم هو نفسه في إعادة بنائها والتخلص من التأثيرات السلبية عليها؟ إن هذا لا يتأتى إلا من خلال زيادة الوعي بماهية البيئة وقيمتها في حياته.. وهذا لا يتم إلا من خلال تضافر جهود كافة المحيطين بالفرد بدءاً من الأسرة التي يتعلم فيها الطفل أساسيات ومبادئ الحياة ثم المؤسسة التعليمية والجهات القائمة على الاهتمام بشئون البيئة.. التوعية البيئية مسؤولية اجتماعية متعددة الجوانب.