بقيت عدة شخصيات في حياتي الطلابية بأمريكا لن أستطيع مغادرة حمى تلك المرحلة دون التوقف عندها. إذ لم يقتصر ما كان يجمعني بها على ذلك النوع من تعارف الزمالات والصداقات بالمعنى المتعارف عليه في مراحلنا الدراسية التي قد لا تتعدى المشتركات الشخصية والطلابية فيما يتخلل لحظة الراهن بحلوها ومرحها وبجهدها وسهدها الدراسي.
لقد كان ما ربطني بعدد من تلك الشخصيات من التواشج والتغاير من الحب والحياد من الائتلاف والاختلاف من براري الحرية وروابط الالتزام ما لن يغطي جناح نحلة من أثرها في حياتي إلى هذه اللحظة لو كتبت عنها بمداد من مطر وابل فما بالك والكتابة عنها تختصر في عدد من السطور المحدودة بما لايتعدى رشة هتان خفيف.
ومع أن أثر تلك الشخصيات بطبعها أو بمواقفها برمزيتها أو بتجسدها كان يترواح بين مد وجزر من العذوبة والمرارة ومن التعقيد والبساطة فبعضه عميق كالبحر وبعضه بسيط كالندى فإنه بتركيبه وبعفويته قد تدخل في إعادة إنتاج نسيجي الوجداني وأخيلتي السياسية ومسلمات منطقي بأشكال جديدة على ما قبل أن ألتقي بها في خضم تجربتي الدراسية بمدى لا أستطيع تحديد نسبته في دمي. فقد التقيت بعض تلك الشخصيات في مشتركات الفكر وقد التقيت بعضهم في مشتركات العاطفة، وعدد واسع منهم التقيتهم في تلك العاطفة الراقية النبيلة من حب الوطن. كما التقيت ثلة منهم في الحراك اليومي أو على أمل الاستنهاض البعيد.. التقيت مع بعض تلك الشخصيات على مشترك الأحلام الشخصية أو التقيتهم في رفقة طرقات البحث عن رغيف العدل وملح الحرية. لا أستطيع أن أدعي انسجاما نفسيا وتوافقا شعوريا بيني وبين كل تلك الشخصيات فقد كنا من مشارب مختلفة عرقيا ومرجعيات أسرية ووطنية ونوع اجتماعي وعمرا بل وامزجة وطباعا وأهواء وأساليب حياة وطرائق تفكير، مع تعدد في المستويات المعرفية والعلمية وتنوع في الخبرات ودرجتها. فقد كان من تلك الشخصيات الأمريكان البيض والسود والبرتوريكيون والمكسيك والهنود الحمر وذوي الأصول اليابانية والأوروبية والأفريقية والعربية والإيرانيين والأتراك والأكراد. وحتى في العرب كان من ضمن تلك الشخصيات ذوي الأصول المصرية واللبنانية والليبية وذوي الجنسيات الخليجية بأطيافها والمغاربية والمشرقية بأطيافهما أيضا. كان هناك الأربعيني والعشريني النساء والرجال اللبراليون والراديكاليون، اليسار العالمي بأطيافه لعقد السبعينات وفصائل المقاومة الفلسطينية عربيا بأطيافها. وكان منهم ذي المرجعيات الأسرية المتعددة من المرجعيات الأسرية المحافظة إن لم يكن المتزمتة للمرجعيات الأسرية المعتدلة أو اللامبالية وكان منهم أيضا في سياق المرجعيات الغني والمتوسط والفقير. وإن كان غالبيتهم ينتمي إلى الطبقة المتوسطة أو البرجوازية الصغيرة وكذلك وإن حاول أغلبنا حينها الادعاء بانتمائهم للطبقة البوليتارية الفقيرة إن لم يكن المدعقة، انتماء فكريا أو فعليا.
غير أنه رغم تلك الاختلافات أستطيع أن أزعم أن ما جمعني بتلك الشخصيات في لحظة طويلة لازالت مستمرة إلى الآن، مما لا أجد له اسما دقيقا من «حس الانتماء إلى قضية مشتركة وتواريخ مفخخة بالانكسارات من المد الاستعماري إلى الهيمنة الإمبرايالية». يعاضده «شعور التزام مخلص بشرف ذلك الانتماء في البعد والقرب كما في العلن والسر بما لا يقل عن الروابط القرابية إن لم يتفوق عليها بسبب عنصر حرية الاختيار فيها».
ومع أنه تتعدد أسماء تلك الشخصيات ممن عمروا تجربتي الدراسية بأمريكا وشاركوني الكثير من نبضها بما لن أستطيع أن أحصيها جميعا فقد بقيت بعض الشخصيات شاخصة في مخيلتي أو في صندوق ذاكرتي الأسود كأعمدة بعضها من ضوء ساطع وبعضها من ضوء خافت وبعضها من عتمة أو مصبوبة من حبر أبيض نحس بوجوده وإن لم نره، وبعضها مجرد أعمدة من دخان أو اعمدة من سراب. ومع أنني حين شرعت في كتابة هذا المقال من سلسلة تجربتي الدراسية بأمريكا كنت أنوي الكتابة عن القائمة الأقوى بصمات من تلك الشخصيات في تأثيرها على مرحلتي الدراسية وقتها وفي تفكيري وحياتي لاحقا، فقد وجدت نفسي أميل لأن أعدل عن ذلك مؤقتا وأكتفي بذكر بعض أسماء تلك الشخصيات مع التوقف عند عدد قليل جدا منها، وقد أعود عن هذا القرار في حالة حولت هذه السلسلة إلى كتاب، لأن ذلك سيمنحني مدى أرحب للحديث المباح. هذا وإن لم يكن في خبرتي مع أي من تلك الشخصيات ما يعتبر من الأسرار خاصة بعد مضي ما يزيد على عشرين عام على آخر لقاء بمعظمهم، ممن كان اللقاء الدائم بها خبزنا اليومي. في المفارقة الوقت. وهذه قائمة ببعض أسماء تلك الشخصيات من الزمالات والصداقات المؤثرة بما لا يخلو من لعبة النسبية سواء في قربهم مني والعكس أو في تأثيرهم، مع العلم أن منهم من كانوا أساتذة أو في موقع الأساتذة علما وعمرا وخبرة، ومنهم من كان زملاء وأصدقاء على نفس مقاعد الدراسة الجامعية أو لما بعد الجامعية في جامعات أخرى أو في ولايات أخرى. فقد كان بينهم من كان يدرس بجامعات أخرى غير جامعتي ببورتلاند أوريجن ومنهم من كان ينتمي إلى جامعات مدن أخرى بنفس الولاية كمدينة يوجين، ومدينة كورفالس خاصة وجامعتها تعتبر من أكبر جامعات أوريجن، وأيضا مدينة فانكوفر ومدينة سياتل بولاية واشنطن التي تلي أوريجن شمالا، بل هناك منهم من كان يدرس في جامعة بيركلي وسواها من جامعات كلفورنيا بسان فرانسيسكو وسانت لويس وسواها من مدن وولايات، بين أبعد نقطتين على خريطة الولايات الأمريكية بورتلاند ميه إلى بورتلاند أوريجن مرورا بالخمسين ولاية الباقية. ومن تلك الشخصيات مما سأعود للحديث عن بعضها بتفصيل محدود الشخصيات التالية: سو ثامسون، ليندا مورال العيسوي عماشة زوجته الأمريكية شيرين عبداللطيف العبداللطيف وزوجته موزة، فاطمة الناهض وزوجها محمد المحمود، توني، شيرين، فيكي وزوجها نوري، أحمد مطر، ليلى ضليمي، فاطمة الخريجي، لييز، هدى وفوزياليوسف، عيسى وحسن الغانم، كانون، ليناردو، روبيكا، جميلة فتاة أمريكية متسمية باسم جميلة بوحيرد، إيفا كيتوس وزوجها ريه وإبنهما ذي الخمس سنوات عابدي، الفنانة التشكيلية منيرة الموصلي، الهام السويغ، محمود شمام، بدر العماج، ماجد المنيف، محمد السويلم، محمد الماضي، حياة الماضي، بدرية القبلان، عادل الصانع، محمد شحاده، بشارة قسطاندي، شعاع المنقور، إفران كالوون، احلام القصيبي، نورة الصويان، حمود الربيعة، مايكل براون، روبرت تيلر، جنيفر بيري (نفس اسم ملكة جمال أمريكا 2006)، رييد جونسون، سلفيا بليموث، عيسى وحسن الغانم، تي رتسالا، فيوليت وإيفلين زخاري، دايموند، إدوارد اللين، آن والين محامية ومحامي في قضية إعتصام طلابية تعرض لها طلبة من منظمة الطلاب العرب وطلاب أميريكيون من جامعة بورتلاند الحكومية، شارول شاوول وكنا نناديها شاه شاه. فرينا زاد. وآخرون وإن كنت ساعود للحديث موقفيا ومشتركات عن شخصيات عدد محدود منهم قريبا.
ومن أجواء مشتركات الحس الوطني والمعرفي العالمي لتلك المرحلة تلك المساهمات العفوية في تحرير الأرواح بتحري تحرير الأوطان ولو بوهج الكلمات: «فلسطين شوفي، فلسطين شوفي، شباب قوي عزام فلسطين شوفي، ندف الدفوفي ندف الدفوفي ودرب النصر قدام فلسطيني شوفي. « كلمات والحان بدر السعودية.
«نتذكر تل الزعتر، نتذكر أيلول الأسود، كما نتذكر أطفال فيتنام وشباب أمريكا نتذكر كل ماسفك من دماء الأحرار عبر العالم في حروب فائضة عن حاجة الشعوب. « كلمات وألحان سو ثامسون أمريكية
« باسم الثورة والثوار بنخاطب كل الأحرار عن إنزال عدواني صار ببلدنا الحرة بلد الأحرار» الشماسي.
ولله الأمر من قبل ومن بعد ... يتبع