لقد قام مجلس الشورى في أكثر من مناسبة بالوقوف على عدد من قضايا المجتمع وقضايا النساء، وقد يكون نجح كثيرا وربما أيضاً قد يكون فشل لنقل قليلاً في نصرة بعض تلك القضايا.
ومنها ما يخص قضايا النساء، التقاعد المبكر، البطالة أو العمل عن بعد, قيادة السيارة, واقع النساء أمام المحاكم الشرعية، دورهن في المحاماة، مسألة تأخر سن الزواج, غلاء المهور, استصدار قوانين تمنع الإيذاء والعنف ضد المرأة والأطفال. وبعض هذه القضايا في قائمة تطول يعتبر من الأولويات والأساسيات وبعضها يعتبر من مكملات التمكين وليس عاموده الفقري، وإن كانت تتعدد وتختلف في ذلك الآراء. أما وقد أصبح في عضوية مجلس الشورى نساء فإننا على صعيد قضايا المرأة نتوقع قدرا أكبر من النجاح وفرصاً صفرية للفشل. ليس لأن أعضاء المجلس من الرجال كانوا أقل تقديرا لقضايا النساء فعدد منهم يملك استنارة وحسا نسويا مسؤولا عاليا بالإضافة للحس الوطني المرهف إلا أن ذلك التوقع ينبع من واقع التقسيم الحاد بين المجال الحياتي للنساء والمجال الحياتي للرجال بالمجتمع السعودي. بما خلق منطقة مجهولة واسعة من التفاصيل بل والعموميات بين حياة الرجال والنساء في المجتمع الواحد. وقد كتب الكثير من الزميلات ومنهن فوزية البكر وهتون الفاسي ورقية الهويريني وهيا المنيع وحسناء القنيعير وفوزية الجارالله وسواهن عن ارتفاع سقف التوقعات في طرح القضايا النسوية المعلقة داخل قبة البرلمان «المعين» بعد ضم عينة من السيدات كتمثيل للنساء السعوديات.
وبهذا الصدد فإن هناك قائمة مما يشغل النساء السعوديات من القضايا التي وقفت عليها لحظي من عدة مصادر. وهي في الغالب مصادر يمكن الوثوق بما يصدر عنها لاتصالها المباشر بالنساء. ومن تلك المصادر, العمل الميداني لبعض البحوث التي أقوم بها، قراءاتي لعينة واسعة مما تكتبه المرأة السعودية وما يكتب عنها، وكذلك مواجهتي اليومية مع جمهور عريض يعكس نسبيا نسيجا متنوعا للنساء من طالبات الجامعة وأستاذاتها وإدارياتها وعاملاتها في الأمن والمراسلات.
وهذه القائمة سأنتقي منها واحدا من أكثر المواضيع أهمية، لأضعه على ما تزخر به طاولة مجلس الشورى من موضوعات تخص النساء، وإن كنت سأعود في مقال لاحق لمواضيع أخرى من تلك القائمة:
الموضوع الذي أضعه بإلحاح في ملعب الشوريات وزملائهن هو موضوع مستقى من بحثنا الأخير «المرأة السعودية أمام المحاكم الشرعية». وفيه أعيد طرح ما سبق وطرحته قبل عدة أعوام مما أكد البحث استمرار معاناة النساء فيه.
إن ارتفاع نسب الطلاق، كما تشير سجلات المحاكم أمر واقع لا يمكن إلا الاعتراف به، وإذا كانت الظاهرة بحد ذاتها جديرة بالدراسة والمعالجة مما ليس من اختصاصات المجلس، فإن الواقع الذي تنتجه يشكل أمرا ملحا يحتاج حله مجتمعياً و شرعياً وليس الإغضاء عنه كمسألة على الأفراد حلها وحدهم بعيدا عن إزعاج السلطات.
إن مراجعة حقوق الحضانة والنفقة مراجعة شرعية واتخاذ مواقف قانونية واضحة وإلزامية تجاهها أمر ضروري ليس فقط لتصحيح وضع النساء، بل أيضاً لتصحيح الأوضاع الأسرية الجارحة فيما يخص مستقبل شريحة من أبناء وبنات الوطن، الذين تكفيهم المعاناة النفسية لانفصال والديهم فلا نزيد معاناتهم بأن ندعهم يدفعون ضريبة هذا الانفصال مرتين، بإهمال حقوقهم المعنوية والمادية التي كفلها لهم الشرع. لذا فإننا نجد أن من واجب المجلس أن يقوم بتبني وطرح هذه القضية الإنسانية وهي قضية حقوق الحضانة والنفقة في الأسر التي يقع فيها الطلاق لتكون نصب عين القضاء في الحرص على حلها حلا جذريا. ونعول أن يكون ذلك في إطار شامل لوضع منظومة عدلية مستينرة ومنصفة وموثقة تخصص لجميع أحكام الأحوال الشخصية.
إن كنت أخص هنا إشكالية الحضانة والنفقة، باعتبارها إحدى القضايا المجتمعية التي تعاني التعتيم نظرا إما لعدم وعي أصحابها بضماناتها الشرعية أو حياء من التحفظ الاجتماعي المثار حولها أو يأساً من فرص الإنصاف فيها. وما يزيدها غموضاً أن المجتمع كان إلى وقت قريب قادرا على حل مثل هذه الإشكالية «نظراً لمحدوديتها» في الإطار الأسري أو العشائري وأن غلب طرف من أطرافها على أمره.
غير أن التغيرات الاجتماعية وانتشار التعليم يجب أن يكون دافعاً لاستعادة ما كان قد أغفل من حقوق شرعية لكافة أفراد الأسرة. فالمرأة في ظل المستجدات الاجتماعية والاقتصادية بما فيها الحراك السكاني بين المناطق لم تعد قادرة بمجرد وقوع الطلاق على العودة إلى بيت الأسرة مع ما شاء الله من أبناء. فلا الترتيبات الأسرية ولا الارتباط بمكان عملها من تعليم الأبناء يتيح ذلك ولا تعليم المرأة نفسها عاد يسمح بأن تضرب المرأة صفحاً عن حقوق شرعية كفلها لها الشرع بما يحفظ كرامتها وكرامة أبنائها مما كرمهم الله به.
كما أن الحل الأسري في الإطار القبلي والعشائري لم يعد مقبولا ولاكافيا لكيان دولة يفترض تعدد مؤسساتها وتعدد سلطاتها تشريعية وتنفيذية وقضائية.
وفي التعبير عن فداحة هذه الإشكالية لا يكاد يمر أسبوع إلا وتطالعنا الصحف أو يطالعنا الواقع بصور عن المعاناة الإنسانية الرهيبة لأسر وقع فيها الطلاق، ولنساء تركن يواجهن مصيرا صعباً أو متخبطاً مع عدد من البنات والأبناء من عمر الرضاعة إلى عمر المراهقة دون نفقة ودون أوراق ثبوت رسمية لا لذنب إلا لأنهن اخترن ألا يتنازلن عن واجب حضانة الأبناء، على الرغم من أن النظام ينص على حق المرأة في الحصول على أوراق ثبوتية للأبناء إذا كانوا في حضانتها, غير أن ذلك النظام يبقى غالباً حبراً على ورق مع وقف التنفيذ.
وهنا أتوجه إلى مجلس الشورى وبإلحاح بضرورة إدراج مسألة الحقوق الشرعية للمرأة السعودية عامة ومسألة حق الحضانة والنفقة خاصة على جدول أعماله لهذا العام لدراستها «بمشاركة النساء» وبالتعاون مع وزارة العدل وجهات الاختصاص والاهتمام المكونة من (النساء والرجال) لاستنباط محدداتها الشرعية وللتوصل فيها إلى تشريعات مستندة على الشرع الإسلامي ومستمدة من فقه المعاملات في التعامل مع المستجدات الاجتماعية والأسرية، بما يكون له ضمانات قانونية للتنفيذ.
ويمكن الاستفادة في هذا المجال من التجارب الدولية والعربية والإسلامية. ولله الأمر من قبل ومن بعد.