عادةً يبدأ الصداع الاجتماعي كلمــا استهلت بلادنا مناسبة وطنية وتظاهرة ثقافية!.. وفي كل مناسبة يبدأ مسلسل الجدل بين الحلال والحرام، وبين الممنوع والمكروه، وبين الرفض والقبول!.
وفي عام 2013م أدلى أحد المشايخ بحرمة حضور النساء فعاليات الجنادرية بدعوى الاختلاط، برغم حصوله في الشوارع والأسواق!.. وقبلها أبدى غيره كراهة مهرجان الجنادرية التراثي لأنه ينبغي عرض الإنجازات الإسلامية فقط!.. وساعدت قنوات التواصل الاجتماعي وبعض الصحف الإلكترونية على انتشار هذه الفتاوى والآراء الغريبة وتأصيلها في النفوس! وأحدثت تردداً عند بعض الناس الذين لم يخرجوا من عباءة التبعية.
زرت الجنادرية هذا العام واستمتعت بكل ما شاهدته بين ردهاتها وباحاتها وما عُرض فيها، وشدتني رقصات الفرقة الإماراتية برغم وقوف رجال هيئة الأمر بالمعروف حاجزاً بين الزائرين وبين منصة العرض، ولكنهم حقاً لم يزجروا ضيفاً ولم ينهروا زائراً!.. وابتهجت بمرور الفرقة العسكرية بسمو وشموخ عبر الميدان، تتبعها عروض الفرق الشعبية الوطنية على اتساع مساحة الوطن.
وفي الجنادرية ترى المفارقات بين الماضي المجيد والحاضر المشرق.. فما بين أروقتها شاهدتُ معروضات المناطق من مشغولات بدائية وملبوسات تراثية وأغذية تقليدية وأطعمة بسيطة، وبين أجنحة متقدمة! أدهشتني أسلحة وذخائر وكاميرات حرارية وزوارق حديثة في معرض حرس الحدود، إلى طائرات متقدمة تظهر القفزة النوعية التي حققتها المملكة في مجال النقل الجوي على مدى 65 عاماً، حيث عرضت شركة بوينج أشكال الطائرات منذ عام 1945م وحتى عام 2013م، كما البون الشاسع بين جنادرية 1985م وجنادرية 2014م خلال 29 عاماً من التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية انتقلت المملكة من شكل أثري قديم إلى أشكال عصرية متقدمة.. وكنت أتمنى من وزارة الحرس الوطني رصد التغييرات المتتالية بدءاً من الجنادرية الأولى وحتى جنادرية (29)، ومنذ كانت فكرة متناهية في الصغر وحتى أصبحت تظاهرة ثقافية تتوق معظم الدول لاستضافة المملكة لتراثها وعرض منتجاتها والتعريف بها في الجنادرية.
ولا شك أن الإدارة النشيطة للمهرجان ودعم القيادة لها هو سر النجاح، حيث تم تحويل أنواع الحرف والصناعات في عصور الشقاء والعوز إلى مصدر من الفخر والثراء الوطني والثقافي في جيل النهضة والنماء.. وحري بكل مخلص الإشادة بها وتشجيعها وشكر القائمين عليها.
ومن رأى وجوه الزائرين بعد خروجهم من المهرجان؛ يدرك مشاعر السعادة والغبطة والرضا والارتياح.
في الجنادرية -فقط- رأيت جميع المواطنين نسيجاً واحداً بعيداً عن التصنيفات.
أليس هذا هو النجاح؟!.