التاريخ أستاذ عظيم لمن يحسن الإنصات والاستماع إليه بعقل منفتح لأخذ العبر والدروس. من يتمعن في تاريخ الفتح الإسلامي بدءا من عهد الصديق- رضي الله عنه- يلحظ سرعة تساقط الدول والممالك المجاورة لجزيرة العرب، والأسباب بالطبع عديدة لعل أهمها أن تلك الدول كانت تشهد أسباب سقوطها كانهيار النظم الأخلاقية والسياسية والتدهور الحضاري العام.
الأهم من ذلك أيضا أن الدولة الإسلامية الصاعدة كانت تشهد أسباب الرفعة والقوة، إذ خلال سنوات تبدل حال العرب من أمة متخلفة إلى أخرى ذات قيم وأخلاق وأهداف تجمع بين الحياة ومطالبها ومنافعها والآخرة وما تطلبه من إيمان وعمل وإخلاص. لعل أقوى مثال على سرعة سقوط الممالك المجاورة، هو تداعي أركان امبراطورية الفرس زمن الخليفة الراشد الفاروق رضي الله عنه، في زمن يعد قياسيا في نظر المؤرخين السياسيين قديما وحديثا إذ لم تأخذ المسألة أكثر من أشهر معدودة حتى دانت دولة الفرس للعرب المسلمين.
وبشيء من التأمل، يبرز تساؤل ليس بالجديد بالطبع، وهو هل أزال الفتح العربي الاسلامي تلك النعرة الفارسية المتطرفة؟ وهل كان لذلك السقوط المفاجئ والمدوي لإمبراطورية فارس في زمن قياسي أثره العميق على الفرس ممن لم يفتح الاسلام قلوبهم كما فتح ديارهم؟. أقول ذلك راجيا القراءة المتأنية لما أقول، إذ إن قطاعا من شعب فارس قد أسلم بعد الفتح وأصبح من أمة محمد عليه الصلاة والسلام، لما شهد أخلاق الصحابة وتابعيهم وأخلاق الفاتحين المسلمين والعدل ورفع الجور الذي كان يلحق بالفرس من قبل حكامهم، وهذا الأمر هو ما حدث في كل بلد يفتحه المسلمون، خصوصا وأن حرية المعتقد مضمونة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، لذا يبقى من أراد على معتقده ودينه مقابل دفع الجزية.
إن ما يبقى من ثقافة اجتماعية قديمة أو فكر أو معتقد بعد الفتح لا يمكن تحميل الإسلام مسئولية بقائه، إذ يعتمد الوعي الجديد على الفهم الصحيح لهذا الدين ورسالته وعدم تغليب النعرات والفكر القديم على كل ماسواه، فالتعصب يغلق العقول، ولعل هذا ما حال دون أن تطفئ قطاعات من شعب فارس (نار) تطرفها وتوجه وجوهها نحو قبلة المسلمين. نذكر بالخصوص الناحية السياسية، إذ ظل يزدجرد وأفراد العائلة الحاكمة يجمعون حشودهم حينا بعد حين ومعركة بعد اخرى في كر وفر مع قوات العرب المسلمين لاسترداد ماضاع من ملكهم. وما تلا ذلك من تجاذبات وقلاقل سياسية وعسكرية في اقليم فارس على امتداد دول الخلافة الإسلامية الراشدة ثم الأموية، العباسية وحتى العثمانية. إنما لانغفل مساهمات المسلمين من بلاد فارس العلمية على امتداد التاريخ الإسلامي في الطب واللغة والأدب وغيره من العلوم والمعارف، وكما قلت عندما نتحدث عن معضلة التطرف في الهوية الفارسية فنحن نتحدث عن قطاع من الفرس وليس كلهم، ظل متعصبا تعصبا ليس بالهين حد التطرف المرضي، عطل التأثير الإيجابي لأولئك المعتدلين والعقلاء منهم إلى يومنا هذا.
قبل شهرين تقريبا تم إعدام رموز ثقافية من شعراء وكتاب من منطقة الأحواز ذوي الأصول العربية، ولعل هذا أول التهم التي استحقوا عليها عقوبة الاعدام، مثل الشاعر هاشم شعباني الذي كتب في سجنه قبل إعدامه قصيدة قال فيها:
سبعة أسباب تكفي لأموت
لسبعة أيام وهم يصرخون بي
أنت تشن حربا على الاله
في السبت قالوا لأنك عربي
في الاحد حسنا انك من الأحواز
في الاثنين تذكر انك إيراني
في الثلاثاء انت سخرت من الثورة المقدسة
في الأربعاء ألم ترفع صوتك على الآخرين
في الخميس انت شاعر ومغني
في الجمعة انت رجل ألا يكفي هذا لتموت
جدير بالذكر أن الرئيس روحاني قد أعطى الضوء الأخضر لإعدام 14 ناشطا من مثقفين وكتاب وشعراء وأولهم هاشم شعباني من منطقة الأحواز، وذلك خلال زيارة له إلى المنطقة، وبالفعل فقد نفذ الحكم. ومن العجيب أن أكثر عدد من المثقفين أعدموا كان في عهد الرئيس محمد خاتمي!، والله المستعان.