مرّت الطائف - العاصمة الصيفية للمملكة العربية السعودية - بمراحل تحوُّل عديدة في تاريخها، منها ما اتسم بالتطوير والنهوض، ومنها ما مثّل الانتكاس والربوض، وقد تجلى ذلك بداية مع بناء الطّوف الشهير الذي بناه حولها الثقفيون في العصر الجاهلي،
حماية لها ولأعنابها وخيراتها من غزو القبائل الرُّحَّل، وقد أخذت اسمها منه بعد ذلك؛ فتحولت من ( وجّ ) إلى (الطائف).
وفي مرحلة لاحقة؛ وتحديداً في عصر الدولة العباسية، جاءت عليها مرحلة انتكاس وربوض، حتى نُسيت تقريباً ستة قرون، إلى أن نشط التصوف في العالم الإسلامي، فراح المؤرخون والأدباء الذين يزورون مكة؛ يقصدونها لزيارة قبر عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - ثم شهروها في كتبهم وأشعارهم ورحلاتهم.
وشهدت مرحلة تحول في العهد العثماني، بعد أن توسعت شمالاَ بعيداً عن موقعها الجاهلي، فبنوا حولها سوراً يحميها على طريقة الأسوار في المدن الإسلامية، وكان ذلك عام 1212هـ، لكنها لم تنعم بالاستقرار، حيث أصبحت في شد وجزر بين حكامها وحكام مكة في تلك الفترة سنوات طوال، فعانت وافتقرت وتأخرت، حتى دخلت في الدولة السعودية الثالثة بقيادة الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - العام 1343هـ، فتحولت إلى عاصمة صيفية أولى ووحيدة للملك عبد العزيز وحاشيته ورجاله في الدولة، بل ولمواطني المملكة عموماً، ونعمت بكثير من التطوير والمشروعات التي لا مجال لحصرها هنا.
شهدت الطائف مرحلة تحول مفصلية في تاريخها في العام 1401هـ، فقد أصبحت مدينة عصرية جديدة في خلال ستة أشهر فقط..! عندما تم تأهيلها لاستضافة القمة الإسلامية الثالثة في ربيع أول من هذا العام، فعرفت لأول مرة الجسور والأنفاق والطرق السريعة المزدوجة، وفنادق ثلاثة كبيرة فئة خمس نجوم، وربطت بالمطار والهدا والشفا بطرق سريعة مزدوجة، ورصفت معظم شوارعها وميادينها وأسواقها.. لنتذكر أن هذه المرحلة المهمة في تاريخ الطائف تمت في ( ستة أشهر فقط )..!
أكتب لكم اليوم وأنا أعيش مع الطائف المأنوس (مرحلة تحول جديدة). مرحلة تطوير كبيرة بدون شك، لكنها لن تتم في ستة أشهر، ولا في ستة أعوام ولا حتى في عشرة. تحولت الطائف المدينة إلى ورشة عمل منذ ثلاثة أعوام؛ وما زالت تعيش حالة صخب وتعب هذه الورشة الكبيرة الشاقة. هناك مليارات كثيرة تحفر وتدفن وتبني في كل بقعة من جسم الطائف، ولهذه المرحلة التحولية الكبيرة بدون أدنى شك، ضريبة كبيرة ندفعها نحن السكان والمصطافين، على أمل أن نجني ثمارها عن قريب، فهل نحن جميعاً على استعداد لتحمل هذه التبعة وتقديم هذه التضحية..؟!
قبل قرابة عام تقريباً، التقيت الصديق المهندس محمد المخرج أمين المحافظة، وجرى الحديث كالعادة على معاناة الناس من تبعات ما يجري من مشروعات ضخمة في المصيف، واقترحت عليه عقد مؤتمر موسع لشرح ما يجري بالضبط، حتى يعرف الناس ما يدور في مدينتهم، ويعذروا ويعينوا الأمانة؛ إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
أمانة المحافظة تبنت الفكرة مشكورة، ومن سوء حظي؛ أن توقيت عقد هذا المؤتمر الموسع قبل أسبوعين؛ وافق مشاركة علمية لي في ورشة عمل عن رحلتي الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الطائف.. رحلة الدعوة ورحلة الغزوة، فلم أتمكن من الحضور، لكني حظيت بمجمل ما دار في المؤتمر من عرض لمشروعات الطائف الضخمة، من أنفاق وجسور جديدة، ومن تصريف للسيول، وتنفيذ أنفاق خدمات عامة، ونزع ملكيات وحيازات بكم غير مسبوق في تاريخ الطائف، وتمديد خدمات صرف وماء وكهرباء وهاتف بشكل يكاد يكون شاملاً لكل شارع وسكة وزنقة، وإنشاء وتأهيل حدائق ومتنزهات، ولهذا تجدّر وجه العروس الجميلة، وتحولت شوارع وطرقات عاصمة المصائف العربية إلى أخاديد، وارتفعت أصوات السكان تزأر مما يجري من هذا كله، وزاد عليه كثرة القفل والتحويل وما إلى ذلك، مما لم يتعود عليه سكان الطائف في زمن مضى.
ألم أقل إن هناك ضريبة لا بد أن ندفعها في الطائف..؟! هذا إذا أردنا أن نصل معها إلى الصورة الجميلة المتخيلة لنهاية هذه المرحلة التحولية المهمة في تاريخها.
أنا واحد من أبناء الطائف المتضررين من هذه الانتفاضة الكبيرة في كل شبر في المدينة، وقد هاتفت أمينها عدة مرات شاكياً من سوء التنفيذ لشركات الاتصالات والماء وخلافها، ومن مشي السلحفاة في تنفيذ مشروعات كان يفترض تسليمها قبل ثلاثة أعوام، وهي اليوم تحتاج إلى ثلاث سنوات أو أكثر..!
بودي لو تلقى أمانة الطائف دعماً أكبر في توفير كفاءات فنية وإدارية إضافية للمتابعة والمحاسبة، وأن تبدأ فوراً في فتح العين الحمراء في وجوه مغسولة بمرق، لمقاولين وشركات وجهات لا تعبأ بنصوص العقود الموقعة عليها، هذا إذا لم تلحس حبر توقيعاتها حتى اليوم..!
نشعر بأننا نتأذى ونضيق بما يجري من تطوير، ونشعر أكثر بمسؤوليتنا في دعم هذه الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لتطوير الطائف، ونحتاج إلى تسريع عجلات المرحلة، وأن تكون نهايات كل مشروع منفذ، مكتملة وجميلة، ووفق ما عُرف عن عروس المصايف من جمال ولطف.