حسنا، فعل مدير الأمن الفكري في وزارة الداخلية السعودية، والمسؤول عن مراقبة الإنترنت في المملكة - الأستاذ - عبدالرحمن الهدلق، عندما قال، إن: «التطرف بات يمثل خطراً جديداً، وعلى نطاق أكبر في المملكة؛ بسبب الحرب الأهلية في سورية، الأمر الذي يتطلب حرب أفكار، أكثر قوة على الإنترنت، وبرّر هذه
السياسة، قائلاً: «سياسة السعودية، هي أننا نريد مجتمعاً متحداً، لا نريد أشياء تؤثر في وحدتنا، وإذا كان هناك شيء سيجعل مجتمعنا غير مستقر أو منفصم العرى، فسنولي اهتماماً كبيراً به»، ففي هذا التصريح، إشارة إلى أن قمة جبل جليد، تمثلت في ظاهرة لا تخطئها عين، ذلك حين يجد المرء نفسه أمام قضية متعددة الأضرار، تتمثل في صراع الأفكار الموجودة في مجتمعنا، والتي بدأت تطفو على السطح، خدمة لأهواء مكبوتة، ورغبات دفينة. يترتب عليها تهديد الوحدة الوطنية، والعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي، وتفتيت الجماعة، في جزء من مسلسل حرب الأفكار.
للأسف، فإن المعارك الهامشية التي نراها - هذه الأيام -، تشغلنا بقضايا ثانوية، وتثنينا عن أهدافنا الكبرى، وتنحرف بنا عن أهدافنا العظمى. ناهيك عما تسببه هذه الخصومات من ألم، وضيق، ومرارة، حول قضايا ليست ذات أولوية. فما يواجهه مجتمعنا من قضايا، وتحديات، إن على المستوى الإقليمي، أو على المستوى المحلي، أكبر بكثير من هذه الخصومات المفتعلة، التي تدار عن بعد، ولا تخدم إلا من يديرها؛ فتضر بالتناغم الاجتماعي، وتعطل المسيرة الوطنية، ومصلحة البلد.
إن المتتبع لمجريات الواقع، يجد أن ما يجري على ألسنة الكثير من المختصين من مختلف التيارات في بيان آرائهم، أن الأمور قد تفاقمت؛ لتؤدي في نهاية المطاف إلى الاحتراب الداخلي بتشكيلاتها الفكرية. والخاسر الوحيد في مثل هذه المعارك الهامشية، وتلك الدوامة التي لانهاية لها، هو: المجتمع.
إن وضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات الخاصة، والتنادي إلى كلمة سواء؛ لتجنيب بلادنا عواقب المكائد، والمؤامرات الخارجية، مطلب مهم - ولاشك -. فمصلحة الوطن غاية عليا فوق كل المصالح، والغايات الشخصية؛ لتحقيق الإنجازات، والانشغال بالقضايا الرئيسة؛ لتطوير بلادنا، وما يهم أمن، ورفاهية المجتمع، ودعم الاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، بكل تجرد، ونكران للذات. وهذا - لعمري - مما يجب أن يضطلع به أفراد المجتمع؛ من أجل الحفاظ على خدمة الصالح العام، والحفاظ على وحدة الجماعة، ومصالح الأمة. فتحصيل المصالح، والمحافظة عليها، ينبني على فهم ما هي المصلحة المراد تحقيقها، كونها الأساس الذي تقوم عليه الحياة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية للمجتمعات البشرية.
كم نحن بحاجة إلى التجرد، وعدم التشكيك، أو التسلط، والاستبداد، دون الدخول في معارك إقصائية، وإشاعة جو من الدفء؛ لنتكامل في الفكرة، والتخطيط، والعمل، وننسق الهموم، والبذل، والعطاء، إذ ليس من مصلحة أحد - كائنا من كان - تغذية هذه الظاهرة، في ظرف دقيق تعيشه بلادنا.