أوردت جريدة الوطن تحت عنوان («زكاة» البيضاء تنتظر «فتوى») ما نصه:»رغم الدعوات المنادية بضرورة فرض ضريبة الزكاة على الأراضي البيضاء، إلا أن الإجراء لا يزال معلقاً في انتظار الفتوى الشرعية التي تجيز الشروع في هذه المسألة. وعلمت «الوطن» من مصادر مطلعة، أنه جار التنسيق لاجتماع مرتقب بين مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ووزير الإسكان الدكتور شويش الضويحي، لمناقشة فرض ضريبة الزكاة على الأراضي البيضاء وجوازه شرعاً، حيث ينتظر وزير الإسكان صدور فتوى حول هذا الموضوع من أجل متابعته مع الجهات المختصة.» انتهى.
وتسريب مثل هذا الخبر يحكي الصعوبات التي يواجهها الوزير في كسر احتكارية الأراضي، مع أهل المصالح. هذه الصعوبات، هي عوائق اُختلقت ثم حُملت على الفتوى الشرعية، لاعتقادهم أن الفتوى مازالت تدور في فلك التقليد، الذي ابتعد عن النص الشرعي وعن هدي السلف لكونه تقليدا للفتوى دون استصحاب حيثياتها ومعطياتها.
وأعتقد أن سماحة المفتي بما عرُف عنه من تقى وورع وحرص على شباب وشيب المسلمين في هذه البلاد، لن يسمح هذه المرة بأن تُجعل الفتوى الشرعية وسيلة لأهل المصالح في استمرار الاحتكارية وما يتبعها من أخطار سياسية واقتصادية واجتماعية. كما هي أيضا أخطار دينية تكمن في ضعف ثقة المواطن وتشكيكه في قدرة الإسلام على أن يكون صالحا لكل زمان ومكان، فضلا عن خطورة تعطيل ثالث ركن من أركان الإسلام, الذي قاتل أبو بكر - خليفة رسول الله - به العرب قاطبة.
وأعتقد أنني أكثر من كتب في هذا الموضوع تأصيلا شرعيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. وحتى استفزازيا لوزير الإسكان، لتحريك الموضوع في الدهاليز الحكومية وفي سوق العقار، ليبقى الموضوع حيا فلا يموت بعد الرمية الأولى التي رمى بها الوزير في مقابلته مع المديفر، وتذكير الأطراف كلها في السوق وخارجه بتصريحات الوزير ووعوده.
ويظهر أن الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، قد أصبحت واضحة عند المُشرع الحكومي. فما بقى إلا حيلة رفع القرآن على أسنة الرماح، أي التحجج بالفتوى والشرع. ولذا، فلن أعيد إلا خلاصة بعض ما بينته من تأصيل في الجانب الشرعي فقط مع إضافة سريعة تنقض فتوى زكاة الأرض فقط عاما واحدا عند بيعها. والتي قد تشوش أحيانا على المقلدين والعوام، رغم أن ليس لها أي مستند شرعي ولا عقلي ولا مقاصدي ولا مصلحة مطلقا، إلا تقليد رأي محض وليس في محله. وسيأتي..
فخلاصة ما سبق أن ناقشته من الجانب الشرعي أمرين: الأول، حكم جباية الدولة الإسلامية لزكاة الأراضي، والفتوى التي صدرت بالمنع، ونسبت هذا إلى السلف. فقد وضحت في مقالين بأن اللبس راجع إلى الخلط الذي جعل الأراضي أموالاً باطنة لتمثيل الفقهاء للأموال الباطنة بنقد وعروض التجارة، فيظهر أنهم عمموا الحكم في الأموال الباطنة على الأراضي لأن زكاتها عندهم من باب العروض. والأراضي في وضعها الحالي أمر حادث، وهي أظهر الأموال. والإجماع هو على وجوب جباية زكاتها من الحاكم، لا منعه.
والأمر الثاني في وجوب زكاة الأراضي القابلة للنماء مطلقا. فلا يُعتد بحجة نية كونها عرضا للتجارة أو عدمه. ومقالي في الرد العلمي على الشيخ الدكتور القاضي صالح اللحيدان كافٍ عن غيره من مقالاتي. وهو إن سلمنا بصحة حديث زكاة عروض التجارة، فما هو نصابها ونسبتها. أليست هي 2.5% نسبة الذهب والفضة ونصابهما. فمن أين لنا هذا؟ وما هي علة القياس عليهما في ذلك؟ أليس لكون عروض التجارة قابلة للنماء؟ فلندع عنا تقليد سفسطة فقهاء القرون الوسطى، فكل ما هو قابل للنماء ففيه زكاة النقدين ونصابهما. وهذا عند التطبيق يظهر إعجاز التشريع في حله كل مشاكل الزكاة بما فيها التناقض بالأمر بتزكية القرض الحسن. وعموما فالأراضي داخل العمران من أوضح الأمور على قابليته للنماء، ففيها الزكاة قياسا بهذه العلة المنضبطة الصحيحة على الذهب والفضة. ويجب على ولي الأمر جباية زكاتها إجماعا لأنها من الأموال الظاهرة.
والجزء الثاني من المقال - يوم السبت- سيتطرق لتوضيح من أين جاء القول بتزكية الأرض لعام واحد فقط، وأنه على الرغم من أنه تقليد لفقه القرون الوسطى وأن لا مستند شرعياً ولا عقلياً لهذا القول، فإنه بالرغم من ذلك فإن حجة من قال بهذا القول قديما، ليست منطبقة على الأراضي. وقد اتبع الفقهاء فيها خطأ القرضاوي في تنزيله إياها على الأراضي، فهو من أخرجها وأحياها ثم أنزلها - على بطلانها- في غير مكانها على الأراضي في كتابه فقه الزكاة.