المتتبع لعجلة التطور العمراني، والتقدم الثقافي والاجتماعي والصحي، وغير ذلك، يتضح له أنّ للعمل التطوعي والخيري مساهمة كبيرة في الدول الغربية المعاصرة، حتى إننا نجد مؤسسات خيرية في أمريكا تقدّر ميزانيتها بالمليارات من الدولارات.
ولذلك نجد الإسلام حث على فعل الخير، وأمر بالصدقات الواجبة والتطوعية، وبخاصة الوقف في سبيل الله، وجعله من الصدقات الجارية التي يصيب ثوابها صاحبها، حتى بعد وفاته.
ومعلوم أنّ العمل الخيري يكثر أجره، ويعظم ثوابه، كلما كانت الحاجة ماسة إليه أكثر، وكلما كثر المنتفعون به، فلو افترضنا مثلاً أنّ قرية من القرى فيها من المساجد ما يكفيها، ويتسع للمصلين فيها، لكن لا توجد فيها مدرسة، أو مستشفى، فما الأنفع للناس وألصق بحاجتهم، أن يبني فيها فاعل الخير مسجداً آخر، لا تمس إليه الحاجة، أم يبني ما يحتاجه الناس من مدرسة أو مستشفى؟!
وإذا قصرنا الحديث عنه المساجد، فما الأفضل أن يقوم فاعل الخير ببناء مسجد فاخر ينفق عليه بسخاء، فإذا مات انقطع ذلك الإنفاق على المسجد، أم يخصص جزءاً من قيمة ذلك المسجد، ويبني به محالاً تجارية مثلاً تكون وقفاً على ذلك المسجد، بحيث لا ينقطع الإنفاق عليه بموت بانيه؟؟
وكذلك ما الأفضل والأكثر نفعاً وأجراً، أن يبني فاعل الخير مسجداً في منطقة راقية جدّاً، بعشرين، أو ثلاثين مليون ريال، ولا يصلي فيه إلاّ عشرون أو ثلاثون شخصاً، أم يبني بهذا المبلغ عشرة مساجد في أماكن محتاجة، وتكتظ بعدد السكان، بحيث يصلي في كل مسجد عشرات الأشخاص، ويفتتح في كل مسجد حلقات تحفيظ القرآن، يدرس فيها مئات الطلاب؟؟
ولاشك أنّ الإجابات الموضوعية العلمية عن تلك التساؤلات، ستقودنا إلى النتيجة الصحيحة، وهي أنه ينبغي للأغنياء والموسرين أن يضاعفوا جهودهم، وأن يزيدوا من أعمال الخير، وأنه يجب أن تكون تلك الأعمال الخيرية مدروسة بعناية من جهات الاختصاص، بحيث توجه الوجهة الصحيحة، وتسد ما تمس إليه الحاجة في المجتمع، وتساهم في تطوره، وتقدمه من جميع النواحي الدينية، والعلمية، والتعليمية، والصحية، وغير ذلك.