لم تفضح تقنية الاتصال أشكال العنف والإيذاء المنشرة التي كنا نسمع عنها دون أن نراها فحسب، بل فضحت كذلك حالة التلذذ بالعنف لدى بعض الأسر والآباء والمعلمين، فنجدهم مع ممارسة تعذيب الأطفال قيامهم بتصوير هذه المشاهد وبثها عبر فضاء الإنترنت.. صارت هذه المشاهد جزءا من حالة مجتمعية تستحق التأمل والتفكير وتحديد الخلل والبحث عن علاج شاف، فلا أفهم كيف يمكن لأب أن يجمع أطفاله ويقوم بضربهم وأمهم من تقوم بالتصوير وهي تضحك! أي حالة وصلنا إليها؟ أعلم أن هناك من يقول: إننا جميعًا ضُربنا وعُنفنا ولم يضرنا بل كبرنا ونشأنا أسوياء وتبوأنا أحسن الوظائف، وأنا هنا أشكك في كلمة (أسوياء) فلا يُمكن لشخص أيًا كان، مورس ضده العنف في طفولته أن يكون ذا نفسية سليمة 100%..
فهناك إسقاطات تعبث بالعقل الباطن وتظهر لا محالة بين الحين والآخر دون أن نشعر، ولها تأثيرات سلبية على شخصياتنا دون أن نمتلك القدرة على استجلاب الأسباب، فالشخص الذي يتعرض للعنف ليس بالضرورة أن يكبر وهو مريض نفسيًا، أو يقوم بتصرفات غير سوية بشكل واضح، لكنه قد يقوم بها بشكل غير واضح، وأستشهد هنا بمقولة الخليفة علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- لا تربوا أولادكم على أخلاقكم، فإنهم خُلقوا لزمان غير زمانكم.
أعود إلى ملفات الفيديو التي يتم تداولها، وتتضمن مشاهد مقززة تؤكد على وجود جهل في أساليب التربية، وامتداد لأساليب قديمة مورست ضد هذا الشخص فيقوم هو بممارستها معتقدًا أنها سبيل الدواء الناجع في معالجة السلوكيات غير المقبولة الصادرة عن هذا الطفل، والأدهى والأمر هو نشر هذه الملفات على الملأ، فكيف سيواجه هذا الطفل مجتمعه وقد تم فضحه بهذه المشاهد اللا أخلاقية؟ إنما هي مشاهد أقرب وصف لها بالسادية، التي تعني التلذذ بإيقاع الألم على الآخرين.
من السائد في الفكر المجتمعي أن الآباء أحرار في تربية أبنائهم، وقد أختلف مع هذه المقولة لأن الابن لا يخص الأبوين وحدهما، بل يخص المجتمع برمته، ووجود مؤسسات تربوية واجتماعية متخصصة في هذا المجال ولديها صلاحية المحاسبة التي من الممكن أن تصل إلى نزع ولاية الأبرياء ممن لا يخاف الله فيهم، ومنحها لمن يستحق رعاية هذه البتلات الغضة، التي يحتاجها المجتمع أن تكون سويّة معافاة من كل شوائب العنف والتلذذ به.
لا أنكر أن جهود الحماية الأسرية في هذا المجال جيدة، وقد وضعت مؤخرًا رقمًا هاتفيًا يُمكن من خلاله أن يتصل الطفل بهم للتبليغ، لكن الأهم كيف يُمكن للطفل أن يتعلم على هذه الآلية؟ وكيف يُمكن أن تصله الفكرة كاملة وتوعيته بحقوقه؟ لذا فإن هذه الجهود تبدو مبتورة إن لم تُعمم بشكل واسع لتصل إلى كل طفل في كل مكان، وإنشاء مكاتب مساندة للجان الحماية الأسرية في الأحياء والأسواق وبث التوعية على نطاق واسع، وذلك لضمان زيادة الوعي، مع إيصال رسالة إلى الوالدين اللذين يقومان بمثل هذه الممارسات أنها مرفوضة وغير مقبولة وقد تؤدي إلى محاسبتهما ومعاقبتهما!