يعتقد بعض أصحاب الإيديولوجيات الضيقة أن غلق المجتمع وعزله وتعتيمه عن العالم الآخر هو حماية لوجوده من الغزو الفكري الذي قد يخلط أوراقهم ويفقدهم التأثير المباشر على المجتمع، وأن الانفتاح الواسع على العالم يجردهم من عروشهم التي صنعتها بعض الرواسب والأساطير والتقاليد..
..وأسبغت عليها الكثير من التقديس والرهبة، وأن الانفتاح ووضوح الأشياء سينخر الأساسيات والدعائم التي أقاموا عليها مماليكهم وامبراطورياتهم وجمهورياتهم وأحزابهم، ويعتقدون أن الأشياء والأفكار والمبتكرات الحديثة يجب أن تهاجم تحت مسميات ونعوت عدائية حتى يتمكنوا من تضليل حقيقة وجودها وحتمية انتشارها، فالعولمة على سبيل المثال لا الحصر حسب مفهومهم هي فوضى وشر مستطير وهي تمزيق للمجتمع واحتلاله اقتصادياً وفكرياً وتراثياً!!، وبرغم التغيرات العملاقة والتقلبات الفكرية التي حدثت في العالم على مدى القرون المنصرمة لم يكن لهؤلاء سوى البكاء والعويل وتمثيل دور الضحية، ولم يكن لهم هم خلال التاريخ الطويل سوى التنديد والصراخ والتشنج والتبشير بعواقب الأمور السيئة المستطيرة التي لا تبقي ولا تذر، وأن العالم الآخر يضطهدنا فكرياً ومعنوياً ومادياً ويحاول مسخ شخصيتنا وإقامة الأسلاك الشائكة حول عقولنا، إننا في الواقع مجتمع بشر أسوياء نملك مخزناً هائلاً من القدرات الفائقة على التحليل والرؤية حتى في أكثر الأوقات عتمة وغبشاً، ولدينا رغبة في النهوض والمشاركة الصادقة في صنع مستقبل العالم، إن ترميم التصدعات العديدة التي تنخر في جدران بعض هؤلاء أصحاب الأفكار الإيديولوجية الضيقة التي أصابتها نتيجة بعض العوامل والعبث والحمق الفكري والغبش والتدني في الرؤية، يجب أن يبدأ العمل على إصلاحها، لأن الانفتاح الواسع والكبير على العالم نتيجة التكنولوجيا والمخترعات التعددية أنتجت مجالاً واسعاً لمعرفة العالم الآخر وشؤون حياته دون تعب ولا نصب ولا سفر، وإننا كشعب حي مرن بحاجة ماسة إلى متغيرات مهولة في الفكر وفي الإدراك وفي الاجتهاد وفي تقصي الحقائق بعيدا عن دائرة العتمة الضيقة، بعد فشل الإيديولوجيات المحلية والإقليمية والأفكار المعلبة الجاهزة والمظاهر البراقة والشعارات الرنانة التي غرقنا بها سنوات طويلة دون نتيجة تذكر أو طائل منال، والتي وضعتنا جميعاً في زنزانة ضيقة واحدة وجلدتنا بسوط غليظ واحد، إن مفهوم المجتمع المنعزل قد أضحى فكراً خارج نطاق العقل والمنطق، وخارج دائرة الزمن، لأن إرادة الإنسان وقواه العقلية والفعلية تدفعه إلى سبر أغوار الحقيقة والغوص في بحارها ومحيطاتها العملاقة لاكتشافها، ولهذا فإن للإنسان الحق في الاتصال والتواصل مع العالم المحيط به والبعيد عنه من دون خوف أو شك أو وجل، وله الحق أيضا في الاطلاع وامتلامفاهيم وعلوم ومكتسبات جديدة، ومن ثم الاستفادة منها والمشاركة الحقة في الخبرات من دون قيود ولا معيقات ولا منغصات إيديولوجية تتمرد على الواقع المعاش، لأننا نعيش قدراً تكنولوجيا متواصلاً لا يمكن السيطرة عليه بكل النصوص الاختراعية والاستكشافية اليومية بل اللحظية الجديدة التي لا تخطر على قلب وعقل بشر، وما علم (النانو) القادم الخطير الذي سوف لا يستوعبه العقل البشري بسهولة، إلا جزء يسير من الدهشة القريبة القادمة التي يجب أن نتهيأ لها بعقول منفتحة وراجحة ومهيأة للتصديق والإيمان واليقين، بعيدا عن غوغائية الفكر وتطرف الفعل وممارسة الشك ومسرحيات التخويف.