* أسموها صواريخَ يبثُّها بعضُ الناشطين لإذكاء الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة ويعرضون فيها طُرفًا غيرَ معقولةٍ ولا مقبولةٍ يطلقُها بعضُ معمميهم كما يفعل «الحكواتيون» بغيةَ إثارةٍ واستثارةٍ وإمالةٍ واستمالةٍ سواءٌ أكانوا واعين مقتنعين أم مغيَّبين أم مدلِّسين،ولا تعدو أن تكون انعكاسًا للتأجيج الطائفيِّ المشتعلِ بين الفرقتين الإسلاميتين الكُبريين حضورًا دينيًا ومجتمعيًا وسياسيًّا فيما ينالُ هدنةً كانت ممكنةً لو شئنا قبل الحراكين المتزامنين اللذين قادهما الخميني (1979م) وجهيمان (1980م) وتابعهما تلاميذهما المتعصبون فاتسعت المسافة وازداد الاختراق وبدا العدوُّ الأولُ للشيعي هو السني وللسني الشيعي ،وقُيظَّ لإيقادها سياسيون ومؤدلجون بغَوا وعتوا واختبئوا داخل كهوفهم سواءٌ اعتمروا لقب «سماحة السيد» أم عباءة « دولة الرئيس»، وكان أن ضيمَ أهلٌ لنا في العراق وسوريا ولبنان وسواها اتكاءً على تفوقٍ عسكريِّ وتشظٍ مدني.
* ثمة صواريخُ كلاميةٌ مشابهةٌ يبثها الفريق الآخرُ عن بعض مشايخِ أهل السنة يردُّ بها ناشطون مقابلون؛ فلا مذهب يخلو من حكواتيين يخرجون على النصِّ بنصوصٍ يتبادلها العامةُ في الجانبين وينشغلون بها في أحاديثهم بالرغم من يقينهم أن كلًا مقتنعٌ بموقعه وموقفه فلم تستطع المناوشات الممتدة على مدى قرونٍ أن تُحرك طرفًا باتجاه الآخر.
* لن نقف عند هذه الفرقة العَقَدية التي قد تجد من يبررها وفق القراءات التأريخية الممتدةِ من لدن عبد الله بن سبأ وأبي لؤلؤة المجوسيِّ فصرنا نواصب وصاروا روافض وبتنا كما هم ضُلَّالًا في نظر واحدنا نحو بني عمه وأبيه وباتت الإشكالات المذهبيةُ مدار فرقةٍ تداخل فيها السياسيُّ بالدينيِّ فتأول المتناوئون أغطيةً شرعيةً تبررُ لمن ظلم ظلمه ومن قتل جُرمَه ومن مال انحرافَه ومن استبدَّ سلطويته،والتجأ كلٌ لمعادلة الدين نعيًا على الآخر وتزكيةً للذات.
* تجاوز الأمر تشظيةَ المذهب والأدلجة نحو التشظية الإقليميةِ والقبليةِ، وفي المواقع والوقائع ما يطرح علائمَ استفهامٍ مقلقةً بشأن الوطنِ والمواطنة،ولن تعدمَ في المجالس من يحكي عن حدود قريته وجدود أسرته وثارات عشيرته تغذيها قنواتٌ ومهرجاناتٌ ووسومٌ ورسوم.
* هنا تضِلُّ البوصلة الوحدويةُ اتجاهاتِها فتستعرُ الشحناء والبغضاءُ والحروبُ والحراب، وقد مررنا بتجارب مؤلمةٍ وما نزال، وسننتهي يومًا قريبًا أو نائيًا إلى عبثية الشرذمة وخسائر التشتت، والتجربة الأوربية خلال حرب الثلاثين عامًا (1618-1648م) لم تُبقِ ولم تذر؛ فدمرت وشردت وأفنت ثم استيقظ القومُ ووعوا خطورةَ المذهبية وأثمان الدماء والأشلاء وراجعوا حساباتهم وأيقنوا ألا طريق سوى الاتجاه للأمام والتخطيط للمستقبل الآمن المسالم وانطلقت بذلك محركات التنوير الأوربيِّ في منتصف القرن السابع عشر الميلاديِّ.
* كانت المعركة بين الكاثوليك والبروتستانت شبيهةً بما نقترفه اليوم من إسعارِ الكراهيةِ بين المذهبيات والإقليميات والأدلجات والقبليات وقيادة حروبٍ خاسرةٍ بين مكونات الأمة تحت أغطيةٍ كاذبةٍ قوميةٍ ومقاومةٍ وعبر تصنيفٍ وتحشيدٍ واستقطابات، والناتجُ خرابٌ ويباب، والمنتصر مهزومٌ ولو بعد حين.
* الفُرقةُ ظلمٌ وظلام.