** هل تُقرأ السياسة بثوابت التأريخ أم يُقرأ التأريخُ بمتغيرات السياسة؟ وما جدوى الحكم على المتغيرات عبر الثوابت والثوابت من خلال المتغيرات؟ وهل صارت القضايا مرتهنةً بمواقفَ قد تكونُ عابرةً لا تلتفتُ لموازين العدل وموازنات الرقم وأين تقف الحقيقةُ حينها؟
** أسئلةٌ مشرعةٌ لمشروعيةِ المحاكمةِ المجردةِ من أهواء القوم وأنواء اليوم، وقد تكون متعذرةً أو على الأقلِّ متعسرةً وفقَ الظروف المكانية والزمانيةِ غير أنها قد تتأخرُ حتى تتبدل المعطياتُ المُلزمة والصورةُ المعتمة التي قد يضفيها الساسةُ أو تضيفها الدعاية.
** تكاثرت في الزمن القريب المذكراتُ والمخطوطاتُ التأريخيةُ ودراسات الحركات والمذاهب والاتجاهاتِ، وهي مصادرُ موضوعيةٌ مهمةٌ حين تخلو من أنفاسِ المحققين والمعلقين والشارحين المتورطين بأدلجاتهم ومواقفهم وانتماءاتهم مما يحيل النصَّ المحايدّ إلى نصٍ متحيزٍ ويلغي حريةَ المثقفِ الباحث عن الحقيقة في مختلف مظانِّها، وهنا يبدو المثقفُ زاويةً ثالثةً مكملةً للابتسارات والتعسفات والديماغوجيات المتغيرةِ من بقعةٍ لأخرى حسب التوجهات والتوجيهات.
** المعادلة الضابطةُ لهذا هي الاستقلالية والمُخلة هي التبعية؛ فمراكزُ البحث كما دور النشر مسؤولةٌ عن حماية إرثها واسمها حين تتحرر من قيود اللحظة والمادة والمصلحة المجتلبة والمضرة المجتنبة، وهو منهجٌ لو تحقق لقلَّت تجاوزاتُ الشراح والمعلقين والمترجمين.
** لعلها جزءٌ من الوصاية التي يمارسها الأفرادُ كما الأجهزة تكريسًا لمفاهيم السلطة الأبوية حين لا يبقى الكتاب على حاله؛ فيتدخل المعلق بإملاءاته والمترجم باختصاراته والشارح بانتماءاته والناشرُ بمصالحه، وتتيه الحقيقةُ أمام القارئ المستقل الذي يود الوصول إليها عبر منافذه الذهنية المفتوحة.
**وقد سبق لمؤسسة الفكر العربيِّ (تقرير 2009م ص 331) أن أشارت إلى أن من أبرز معضلات النشر اتجاهَ الدور للربحية واهتمامَها بما يرضي «الزبون» الذي أسمته القارئ ،كما ألمحت للأسباب السياسية التي تتدخل في حركة الترجمة، ودعت إلى أن تتولى المؤسسات الحكومية غير الربحية التوجه للكتب العلمية، وهذا جميل، لكنَّ ما يُعوزه الجمال القيود الوائدةُ لعقل القارئِ الذي قد ينصرف عن الكتاب بسبب اسمِ مؤلفه أو ناشره أو مترجمه ليقينه بتوجهه المسيس والمؤدلج.
** لم يمنع النَّفسُ الأشعريُّ ووجودُ بعض الإسرائيليات المعاهدَ العلمية من تقرير (تفسير الجلالين) على طلبتها في زمنٍ خصب، وكنا نَدرسه بنصه الأصلي كما كتبه جلالا الدين المحليُّ والسيوطيُّ دون أن يُهمَّشَ أو يقمش أو يعلق عليه، وكفانا أن نبهنا معلمونا على مواطن الاختلاف عن مذهب السلف، وهو ما مثَّل نهجًا علميًا قويمًا؛ فمالنا نضيقُ بما لم يضق به من كانوا أشدَّ عنايةً بمن قال وما مال؟
** ذاك مثلٌ سريعٌ في الكتاب الشرعيِّ والأمثلة من الحقول الأخرى أكثر، ونرى الكتاب جميلًأ حتى يصادفَنا من علق عليه أو ترجمه أو وضع آراءه في هوامشه فنقرأُ لغة الهوى والغِوى ثم ننأى عنه وعنهم.
**الفهمُ لا يُعار.