قبل فترة وجيزة صدر قرار من وزارة الثقافة والإعلام بمنع برامج تفسير الأحلام، وكذلك وقف ما يُنشر منها في الصحف المحلية, وهو - لا شك - قرار حكيم وجيد، وإن كنت أعتقد أن هذا القرار لن يوقف التعامل الواسع مع مفسري الأحلام الذين يمكن التواصل معهم من خلال الهاتف أو متابعتهم على قنوات اليوتيوب والتويتر أو القنوات الفضائية الخارجية، وهي كثيرة.
العجيب أن هذا التوجُّه نحو الأحلام وتفسيرها كان من الظواهر التي برزت في فترة متأخرة، فالناس كانوا يحلمون، وكان هناك مفسرون، إلا أن كل ذلك يتم بحدود معقولة، ولم تكن لهذه الظاهرة أي تأثيرات على المجتمع أو أفراده، غير أن ازدهار موجة تفسير الأحلام جاء على نحو مفاجئ، وازدهرت تجارته من خلال الكتب التي أصبحت من الكثرة والتنوع؛ إذ يمكن للإنسان أن يقتني مجموعة منها ليلجأ إليها للتأكد من التوافق على تفسير حلمه..
وإذا كانت الكتب هي الظاهرة التقليدية لتفسير الأحلام، المعروفة منذ القدم، فإن ازدهار وتطور وسائل الاتصال والقنوات الفضائية أدى إلى رواجها على نحو أوسع وأكبر؛ فأصبح هناك المفسر على الهاتف الذي يمكن الاتصال به؛ ليقدِّم للمتصل تفسيراً لحلم, وهناك برامج التلفزيون التي انتشرت وظهرت على قنوات كثيرة، واحتوت على مفسرين يحظون أيضاً بمتابعة من مختلف أنحاء العالم العربي.
وكنت قد تابعت هذه الظاهرة في فترة من الفترات، ووجدت أن ما يقدَّم هو على درجة كبيرة من السذاجة والسخف؛ فالمفسر يستدرج صاحب الحلم ليلتقط منه المعلومات، ثم يبني تفسيره على المعلومات التي تحصل عليها، وقد يصيب في بعضها من كثرة ممارسته، في حين أن بعضها الآخر من المسلَّمات التي يمكن لأي مخلوق أن يدركها عندما يتعرف على شخصية السائل, أو عندما تقدَّم له معلومة صحيحة أو غير صحيحة.
وفي إطار متابعتي تلك أردت أن أختبر حقيقة ما توصلت إليه، فإن أغلب هؤلاء المفسرين يستغلون البسطاء، ويلعبون على العواطف؛ فاتصلت بأحدهم، وقدمت له معلومات صنعتها عن شخصي وعن حلمي، فقدَّم لي تفاسير مضحكة، تيقنت بعدها أن ما يقوم به هؤلاء هو نوع من العبث والاستخفاف والاستغلال.
إنَّ القرار - لا شك فيه - منطقي وواقعي، ولكن سيبقى التعامل مع مفسري الأحلام، ولا يمكن القضاء على هذه الظاهرة إلا من خلال نشر ثقافة توعي الناس بضلالهم وكذبهم واستغلالهم، وإن كنت في النهاية على يقين تام بأن هناك مفسرين صادقين، لكنهم لا يتعاملون بهذه الوسائل، ولا يتاجرون بمعرفتهم، ويؤكدون على أنهم يصيبون ويخطئون.