اطلعت على مقال الأخ عبدالعزيز السماري «كيف نخرج من طغيان ثقافة القبيلة الهمجية» والمنشور في جريدة الجزيرة بتاريخ 5 ربيع الأول 1435هـ - 6 يناير 2014م, ودهشت من كم المعلومات التي أوردها والتي تركز على الحط من قدر القبيلة ويكفي وصمها بـ«الهمجية», ولا أدري ماذا يقصد بالهمجية:
- هل هي همجية المغول والتتار ضد العالم الإسلامي وتدميرهم لحضارته؟
- أم همجية الصليبيين وما فعلوه من أعمال بشعة في بلاد الشام؟
- أم همجية الأسبان فيما يسمونه بعملية الاسترداد عندما أبادوا مئات الآلاف إن لم يكن الملايين من العرب والمسلمين من أنحاء إسبانيا وما انتهى إليه الأمر من تهجيرهم لما تبقى منهم في القرن الخامس عشر الميلادي قسراً, وتركهم تحت رحمة الظروف المناخية والأمنية السيئة.
- أم همجية الغرب في الحروب الكوارثية في مناطق العالم مثل الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية ثم استخدامهم القنبلة النووية, ثم الحرب في العراق والحرب في أفغانستان.
ثم أين هي الهمجية في قوله: «ولازالت النعرة الهمجية تتردد على أسماعنا بدون توقف. وقد نستطيع القول إن تعاليم الدين النقية انهزمت أمام طغيان النعرة العرقية, وأصبحت مع مرور الوقت خادماً في حضرة سيادة القبيلة».
هل يعمم وجود خلاف أو أحداث من أفراد ينتمون إلى قبائل بحيث توصم كل القبائل بالهمجية, ألا تقع مثل هذه الأشياء بين أبناء الأسر التي يطلق عليهم «الأسر المتحضرة»؟!!
ولا أعرف كيف أفسر قوله عن القبيلة: «القبيلة في الثقافة العربية لم تكن منتجة للحضارة في أي عصر من العصور, ولكن كانت مصدراً لإفراز غرائز البقاء في صحراء الجفاف».
إذا كان الأمر كذلك, فمن الذي حمل رسالة الإسلام من الصين إلى المحيط الأطلسي, ومن الذي أسهم في العلوم والمعارف, هل أمير مثل خالد بن يزيد بن معاوية الأموي القرشي كان بعيداً عن هذا الإسهام وهو الذي أمر بترجمة الكتب اليونانية إلى العربية؟
وماذا يمكن أن يوصف به المأمون وهو صاحب ريادة في المجال العلمي في عصره, وهو العباسي القرشي.؟!
وأين نصف مئات العلماء ذوو الأصول العربية البدوية الذين انتشروا في أصقاع المعمورة وقدموا في كل مجال من مجالات المعرفة, وكانت النسبة القبلية تلحق بأسمائهم بكل وضوح, والنماذج كثيرة لا مجال لسردها في هذا الحيز, ويكفي الإشارة إلى أن ثلاثة من أئمة المذاهب الفقهية التي تسود العالم الإسلامي اليوم هم من أبناء القبائل, فهذا الإمام أحمد بن حنبل الشيباني, والإمام محمد بن إدريس الشافعي القرشي, وذلك الإمام مالك بن أنس الأصبحي.
إن مجرد إطلاق صفة الهمجية على القبيلة هو أمر كبير أعجب أن يصدر عن إنسان يعي حركة المجتمع, وحركة التاريخ, فالفعل السلبي يمكن أن يصدر عن أي جماعة بشرية والعنصرية يتسم بها أفراد في كل هذا العالم, وهي ليست قاصرة على من ينتمون إلى القبائل, والكاتب دون شك يعرف نماذج كثيرة من عنصرية صادرة من غير أبناء القبائل.
ثم هل يوضح لي الكاتب ما المقصود من قوله: «لا يزال الوقت سانحاً للخروج من ذلك النفق المظلم, ونحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى فكر استراتيجي مؤثر يحول البلاد من وحدات قبلية غير منتجة إلى وطن يكون فيه الفرد والمواطن رمزاً للإنتاج والإنجاز».
هل هذه الصورة التعميمية تنطبق على كل أجزاء المملكة من شرقها إلى غربها وجنوبها وشمالها إلى وسطها؟ وهل هذا الوصف موجود حالياً؟ وأين هذه الوحدات القبلية؟ وهل يمكن الاستدلال عليها من خلال خارطة يضعها لنا الكاتب لعلها تقرب لنا الصورة؟ وهل كل من يحمل اسم قبيلة حالياً غير منتج أو منجز؟؟
وفي النهاية ما هي ثقافة القبيلة؟ ومن الذي يطبقها؟ وما هي سماتها؟, لنعرف ما المقصود بكل ما ذهب إليه الكاتب الفاضل؟
ما ذهب إليه الكاتب قد يحتاج إلى مقالات ومقالات للتفنيد, ولكن ما استند عليه هو فكر خاطئ لا علاقة له بالواقع فما يشير إليه هو قضايا اجتماعية لا علاقة لها بالعنصر وليست مرتبطة بالقبيلة خاصة عندما يتصل منها بالعنصرية الفجة التي ركز عليها فهو يعرف أن هذه قضية اجتماعية عامة.