كان الزواج لدى الأجيال الماضية مثل «البطيخة»، إما أن يحالفك حظك فتطلع حمراء, وإما أن يخاصمك فتطلع بيضاء. تلك المعادلة على الرغم من عشوائيتها كانت السمة الدارجة لعقود طويلة من الزمن كانت فيها المرأة مجبرة أحياناً على القبول بأول طارق وطالب قرب إذا ما أتمت الثامنة عشرة من عمرها في أفضل الأحوال, بصرف النظر عن مؤهلات ومواصفات الشاب المتقدم، لذا كان الارتباط غالباً (قسمة ونصيب) لا أكثر.
أما اليوم ومع تطور طبيعة الحياة وزيادة أدوات ومكونات الوعي, أصبح للشريكين فرصة للتعارف أكثر قبل الارتباط, بل ودراسة مشروع شراكتهما الزوجية بدقة، آخذين بعين الاعتبار فرص نجاحه واحتمالات فشله, مما أسقط إلى حد كبير مبدأ «الزواج البطيخي» ليحل محله الزواج «المطبوخ» على نار ساخنة من قبل طرفي العلاقة.
وبالرغم من كل تلك العوامل التي تشير الى تحسن فرص نجاح الزيجات, لازلت الإحصائيات الوطنية تصدمنا عن نسب الطلاق المفزعة كل حين, حيث أفادت إحصائية أجرتها (وحدة التقارير الاقتصادية) التابعة لصحيفة الاقتصادية عن دراسة أجرتها العام الماضي, إن نسب الطلاق ارتفعت لتبلغ 82 حالة طلاق يومياً بمعدل 3.4 حالة طلاق في الساعة الواحدة! أي أننا أمام كارثة وطنية حقيقة يجب أن نقف عندها طويلاً كأفراد وكمجتمع ودولة, ونعد لها العدة والعتاد للبحث والدراسة والتقصي العميق والدقيق عن سبب ومكونات تلك الظاهرة الاجتماعية المفزعة.
البعض يعزي تلك النسب المخيفة لإهمال الرجل وغيابه المتواصل عن البيت وتعلقه «بالاستراحة» حيناً وخيانته للزوجة وعدم إخلاصه أحياناً أخرى, أما بعض الرجال فيرمون بالتهم على النساء وأنانيتهن وطلباتهن التي أرهقت جيب الرجل و»أفسلت به» ما أدى الى تهالك تلك العلاقة وهشاشتها الداخلية لتنتهي أخيراً بأبغض الحلال.. الطلاق.
وإذا ما جلسنا على طاولة مستديرة ووضعنا فيها الرجال مقابل النساء، فإن الاتهامات والادعاءات والجدل لن ينتهي, وسيلقي كل طرف بالذنب على الطرف الآخر, دون أن يفهم الطرفان بعضهما أبداً.. وهذه برأيي يشكل جزءاً لا يستهان به من المشكلة.
فمن خلال دورة تدريبية حضرتها بعنوان (أخطاء في التعامل مع الرجل) قدمتها الأخصائية الأستاذة نورة الصفيري, أدركت حجم الشرخ الكبير في فهمنا للرجل وفهم الرجل في المقابل لنا, فما أكثر النساء اللاتي يعاملن الرجل كما يريدنه أن يعاملهن, تعطيه بلا توقف وتطالبه بأن يرد لها ذات العطاء, حينما تستخدم أسلوب جمع النقاط معه, وتنسى أن ما هو على رأس سلم احتياجاتها وهو الاهتمام والرعاية يشكل رقم 7 في سلم احتياجات الرجل حيث يتصدرها حاجته إلى الثقة من شريكته, الثقة بقراراته وقدرته على تجاوز المشكلات والثقة بأنه قادر على إسعادها وتوفير حياة كريمة لها.
كما وتشدد محتويات الدورة على أهمية تنويع مصادر الإشباع العاطفي لدى المرأة حيث إن ملئ حاجاتها العاطفية من قبل الرجل لا يشكل إلا 10%، أما الـ 90% الباقية فهي المسؤولة عن إشباعها عبر منصات تعزيز عاطفي أخرى, وهو الأمر الغائب عن فهم الكثيرات, اللاتي ما برحن يطالبن الرجل بالمزيد من العاطفة والحب والاهتمام حينما وضعنه محور اهتمامهن ومصدر سعادتهن, متناسات بأن هناك 90% من حاجاتهن لم يشبعنها بعد وقد تكون عبر هواية أو شغف أو حياة اجتماعية ممتلئة.
التقدير أيضاً كان له حصة من فحوى الدورة، إذ أكدت أن التقدير قد يكون له مفعول السحر, حيث من المهم أن تقدر المرأة جهود الرجل وعطاءه وما يقدمه من هدايا حتى وإن لم تكن محل الطموح, لأن التقدير والامتنان قد يدفعه لتقديم ما هو أفضل وأثمن في المرة القادمة.. إنها قاعدة كونية وشرعية: (ولئن شكرتم لأزيدنكم) والأمر نفسه ينطبق على الرجل.
فهم عقلية المرأة والرجل ليست مهمة سهلة, لذا فهي كلفت البعض ولا تزال ثمناً باهظاً أبسطه تراكم المشكلات وزيادة التوتر والضغط النفسي, لذا أنصح كل مقدم على خطوة كهذه أن يسلح نفسه بالدورات التأهيلية والكتب التوعوية والدراسات الأكاديمية علها تنقذ ما يمكن إنقاذه!