يقول مالكوم إكس : «التعليم جواز سفر الأمم نحو المستقبل»، بينما يقول أرسطو: «التعليم زينة في الرخاء، وملاذ في الشدة»، وبالرغم من أهمية التعليم ودوره التاريخي في تقدم الأمم، إلاّ أنّ المملكة كانت ولازالت تحصد مراتب متدنية (ومخجلة أحياناً) في إحصائيات تطور قطاع التعليم، كما أن تلك الوزارة ما برحت تشكل مشكلة بدت في فترة من الفترات وكأنها معضلة عصية على الحل، على الرغم من ضخامة الميزانيات (المليارية) المرصودة لها وتعاقب الوزراء عليها كل بضعة أعوام.
حينما تعيّن مؤخراً الأمير خالد الفيصل وزيراً للتربية والتعليم، ضجّت الساحات ومواقع التواصل الاجتماعي ما بين مؤيد ومعارض، وتفاءل البعض بهذا التغيير الذي سيضخ دماء جديدة في شرايين الوزارة المتهالكة من الداخل، بل إنّ البعض كتب وشارك في هاشتاق - ماذا تريد من خالد الفيصل؟ - هذا الهاشتاق الذي يحمل في جوفه جزءاً رئيسياً من مشكلة التعليم في بلادنا، ألا وهي فقر التخطيط وغياب الرؤية وغيبوبة النظرة بعيدة المدى عن المشهد التعليمي العام، حيث تعتمد تلك الوزارة المثيرة للجدل في المقام الأول على الأشخاص لا على الإستراتيجية، بمعنى إن أكرمنا الله بوزير جيد متحمس وذي أفكار تنويرية ريادية، تحسّنت الوزارة وبالتالي تحسّنت الخدمات المقدمة منها، وإن عُين وزير اعتيادي سطحي الرؤية ليس بحجم الحدث ولا مستوى الطموح «أكلناها» ودفعت الوزارة والشعب ثمن ذلك، ولهذا الأمر عواقب وتبعات كارثية.
الطلبات المسرودة في الهاشتاق تنوّعت، ما بين تطوير المباني ورفع الرواتب وصولاً إلى تغيير أسماء المدارس والمراييل الدراسية وإعادة الاعتبار إلى المعلم والتشديد على تقديره واحترامه، وانتهاءً بطلبات «شاطحة» مثل تقصير مدة الدوام الدراسي، إلغاء الاختبارات الشهرية وتحسين وضع المقاصف المدرسية.
شعرت حينما قرأتها وكأني في ساحة مزايدة، أو في مقهى يصرخ فيه الزبائن «واحد شاهي بحليب يا ولد»، كما شعرت بحجم اليأس والإحباط الذي ينتاب فئة واسعة من الشعب السعودي جراء الفشل المستمر الذي تبرع في تحقيقه تلك الوزارة عاماً بعد عام.
التعليم قطاع بالغ الأهمية، يجب أن تديره وتحركه خطة واستراتيجية وطنية كبرى، ترسم بدقة متناهية وتكون ذات أهداف قريبة وبعيدة المدى، تحمل في طياتها تقدماً وتطوراً يشمل الطالب المعلم والإداري، ويمتد بامتداد باتجاهات المملكة الأربعة، رؤية تكون أكبر من الوزراء أنفسهم، فلا يجب أن يرتبط نجاح الوزارة في أي حال من الأحوال بصلاح ونزاهة الوزير نفسه إن نجح تقدمنا، وإن فشل تأخرنا وعدنا نجر أذيال الخيبة، بل بجودة ودقة ومتابعة الخطة الكبرى للتعليم، التي يأتي الوزير ليخدمها ويساهم في تحقيق أهدافها العليا، أما إذا ظل التعليم ملفاً تتقاذفه الاجتهادات والتجارب التي تستنزف الوطن والطاقة، في ظل إدارة متذبذبة ومضطربة وكوادر تعليمية أشغلت بملاحقة حقوقها الوظيفية عن التفرع لرسالتها التعليمية النبيلة، فلا يجب أن نتوقع أكثر من وزارة لا تنتج لنا سوى مزيد من الإحباط وهدر الأموال.
أخيراً، سمو الأمير خالد الفيصل من أهل الفكر والإصلاح وله مسيرة إصلاحية مضيئة لخدمة هذه الأرض، ولكنه وبالرغم من كفاءته المشهودة لا يملك عصى سحرية، بل بالعكس أمامه تحدٍّ كبير بتطوير تلك الوزارة التي أعيت من يداويها، لذا رجاؤنا أن يحرص بمشاركة نخبة من أبناء الوطن بل وحتى الأجانب على رسم خطة إصلاحية شاملة للتعليم تمتد لسنوات ولا تتعثر أو تهتز بانسحابه أو انتهاء فترته بل يكملها من يتقلّد الكرسي من بعده لأننا مللنا العيش على أمزجة الأقدار المتخبطة.. تلك التي صنعناها لأنفسنا والله من وراء القصد.