حينما تصلني قصيدة لشاعر شاب في بداياته، وألمس فيها رباطة الجأش والصبر والثقة في النفس أحترم شخصه بقدر إعجابي بقصيدته، وأتوسم فيه خيراً من جهة ومن جهة أخرى أتيقن أن تنشئته قوامها المثالية والرجولة ومواجهة الحياة بحلوها ومرها قال تعالى:
{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأمور } (43) سورة الشورى.
وعن أبي يحيى (صهيب بن سنان) - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلاَّ المؤمن: إن أصابته سَرَّاءُ شَكَرَ فكان خيراً لَهُ، وإن أصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فكان خيراً لّه) رواه مسلم.
والتنشئة المُثلى على الفطرة الإسلامية والعادات والتقاليد السعودية المشرفة هي ما يتوارثها الخلف من السلف يقول الشاعر عبد الله بن سبيل - رحمه الله -:
خطو الولد توّه على شبةٍ له
وجميع هومات المراجل براسه
يقوم بالمعروف دقِّه وجلِّه
والله مهَيٍّ له على قُو باسه
وفي المقابل لن أتحدث عن النقيض - الذي يشذ عن القاعدة - ويتخضّع ويتباكى في قصيدته بضعف لا يليق بكبرياء الرجل وعزته وكرامته، وليته استقى من كبار الشعراء العزة والأنفة كما يقول الأمير الشاعر خالد الفيصل:
كأنك بزينك يا اريش العين موهوم
ترى لنا زودٍ على (الصبر) شيمه
ومنذ مئات السنين والشاعر الشعبي تأبى نفسه الحُرَّة أن تتنازل عن شيمتها التي هي ديدنها حتى الموت يقول الشاعر أبو زيد الهلالي - رحمه الله -:
نفس الفتى شيماتها رفعةٍ لها
إلى حين صيّاد المنايا يصيدها
ويقول الشاعر بركات الشريف - رحمه الله - في نفس السياق:
إذا الخل أوراك الصدود فْوَرِّهْ
صدودٍ ولو كانت جزايل وهايبه
وكن عنه أغنى منه عنّك ولا تكن
جزوعٍ إلى حقَّت بالاقفا ركايبه
ثم إن ضعف شخصية (الرجل)!! الشاعر في القصيدة يُؤلم من يعنيه أمره بالقدر الذي يُرضي الشامت!.. يقول الشاعر محمد بن أبي الشبل البغدادي:
لا تُخْبِرنّ مُؤَالِفاً ومُخَالِفاً
حَالَيْك في السّراءِ والضراءِ
فَلِرَحْمَةِ المُتَوَجْعِينَ غَضَاضَة
في القَلْب مِثْل شَمَاتَةِ الأَعْداءِ
وأتصوّر (بسخرية هادفة) أن من يُشير على بعض الشعراء بالضعف والاستكانة في القصيدة العاطفية هو إمَّا (جاهل) أو (صاحب مصلحة)، كوصف الشاعر ابن الرومي لامرأة سألت - مُنجِّما دجَّالا - عن عمر ابنها في المهد..! فقال مائة عام (ليفوز بدرهم واحد) ثم مات في أول شهر من عمره..!:
سَأَلَتْ مُنَجِّمَها عن الْطِفْلِ الَّذِي
فِي الْمهدِ كَمْ هُوَ عَائِشُُ مِنْ دَهْرِهِ
فَأَجَابَها: مائة لِيَأْخُذَ دِرْهَماً
وَأَتَى الحِمَامُ وَلِيدَها فِي شَهْرِهِ
يقول المثل: (من غاب عن العين سلاه القلب)
(out of sight out of mind)
وقفة للأمير الشاعر عبد الله الفيصل - رحمه الله -:
أنا أتبدّل بك من الناس ثاني
وإلا أنت ما تلقى بدالي كحيلان