Monday 20/01/2014 Issue 15089 الأثنين 19 ربيع الأول 1435 العدد

سبب انزعاجنا حيال الكلام عن الفقر في أوساط الموظفين

بقلم - بيتر كابيري:

في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، طرحتُ على موقع «هارفارد بيزنس ريفيو» السؤال التالي: هل يهتم أرباب العمل إن كان رواتب موظفيهم قليلة إلى حدّ يرغمهم على طلب مساعدة حكوميّة، كي يحصلوا على ما يكفي من المال ليأكلوا؟

كثرت الردود عن هذا السؤال – وشملت نحو 600 تعليق. فماذا نتعلّم من التعليقات الواردة بشأن الإجابة عن هذا السؤال؟

قد نتوقع أن يُظهر قراء «هارفارد بيزنس ريفيو» اهتمامهم وتعاطفهم إزاء مشاكل الشركات، التي تؤثّر في حياة الناس العاديين مباشرةً. وعلى خلفيّة ذلك، قد نشعر بالمفاجأة متى رأينا أن المعلّقين، في القسم الأكبر منهم، ارتأوا أن أرباب العمل مخطئون بتسديد الحد الأدنى للأجور للموظّفين.

بيد أنّ كثيرين اعتبروا أيضاً أن تدنّي الرواتب إلى هذا الحد يشكّل مصدر معاناة معنوية بالنسبة إلى الشركات التي تسدّد هذه الرواتب. وقد اندرجت تبريرات ذلك ضمن ثلاث فئات عامة. واكتفت فئة من الناس بالقول، بكل بساطة،إنّ العاملين الذين يتقاضون رواتب متدنّية وأفراد عائلاتهم هم فعلاً من المحتاجين، وقد استند كلامهم هذا إلى افتراضات مبالغ فيها حول التدنيّ الفعليّ لتكاليف المعيشة. وصدر تأكيد مماثل ضمن فئة ثانية من الأشخاص، الذين اعتبروا أنّ الفقراء العاملين وصلوا إلى ما هم عليهم لأنهم اختاروا ذلك. وثمّة فئة ثالثة أكدت أن أرباب العمل لا يتمتعون بأي حس من المسؤولية المعنوية حيال المبالغ التي يتقاضاها موظفوهم.

من الواضح أن هذه التأكيدات الثلاثة لم تخضع لتدقيق حثيث، ومن المثير للاهتمام (والقلق) أن نعتبرها من الجهود المبذولة لإضفاء طابع منطقي على وقائع تثير فينا شعوراً بالانزعاج.

والملفت أن التبرير الأخير تحديداً لا ينفي الفكرة القائلة إنّ تدنّي الأجور هومشكلة، ولكنه يفيد بأنه على صعيد الممارسة، ليس بيد أرباب العمل حيلة، لأّنّ الأجور المتدنية ناتجة بكل بساطة عن حالة السوق، ولأنّ العبث بالسوق سيؤدي إلى مشاكل أسوأ، كأن تتسبّب زيادة الرواتب إلى إقالة موظفين، وظهور تضخم، وتدهور حال الشركات.

ولكن في حال كان نجاح الشركات مرهوناً بالرواتب إلى هذا الحد، فمعناه أن أرباب العمل كانوا يحظون بفترة مطوّلة من الراحة في العقود القليلة الماضية، لأن الحد الأدنى للأجور انخفض فعليّاً بنسبة 40 في المئة عن القمة التي كان بلغها في العام 1969. ومن الملفت، على صعيد آخر، أن تكون الأجور قد شهدت ارتفاعاً حاداً في أوساط المسؤولين التنفيذيين والمدراء، وألاّ يكون أيّ كان، في أوساط المعلّقين،قد تذمّر أو تذرّع قائلاً إن هذه الزيادات ستؤدّي إلى تضخّم، وإلى تسريح موظّفين، وسترغَم شركات على الانسحاب من قطاع أعمالها.

صحيح طبعاً أن زيادة الأجور – بغضّ النظر عمّن يحصل عليها – تأتي مقابل ثمنٍ. ولكنه صحيح أيضاً أن قلّةً من أرباب العمل الأفراد الذين يدفعون رواتب أعلى يحظون بمنافع، بالنظر إلى أنّ دفع المزيد من المال يسمح بتحسين نتائج العمل، وبتراجع حركة الموظفين الداخلين إلى الشركة والخارجين منها، وبتسجيل أداء أفضل في العمل، ناهيك عن أنّ التكاليف المترتبة عن زيادة الرواتب ستُعَوَّض جزئياً أو كلّياً. وعلى خلفية ذلك، يفاجئنا عدد الأشخاص القليل الذين يتساءلون ظاهرياً حول ما إذا كان يُستحسن بهم زيادة أجور موظّفيهم الذين يتقاضون رواتب متدنّية للغاية.

وفي نهاية المطاف، نتساءل لماذا يبدي عدد كبير من الشركات الناجحة استعداده لدفع رواتب متدنية إلى حد يرغم الموظفين على طلب مساعدة حكومية، كي يتسنى لهم أن يأكلوا. ويعزى السبب، ولو في جزء منه، إلى قرارات يتمّ اتخاذها داخل الشركات. وبالتالي، ما الذي تبدّل في الشركات مع الوقت ليكون ما يحصل ممكناً؟

لعلّ هذا السؤال غير مطروح لأن الأجوبة عنه تثير شعوراً بالانزعاج.

- (بيتر كابيري أستاذ في مجال الإدارة في كلية وارتون في جامعة بنسيلفانيا، ومؤلف كتب عدّة، من بينها «طريقة الهند» The India Way).

موضوعات أخرى