فاصلة:
(للموت فينا سهام وهي صائبة
من فاته اليوم سهم لم يفته غداً
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي هي قبل الموت بانيها)
- حكمة عربية -
كيف يمكن لكاتبة لم تدرس الصحافة أو تعمل في أي مؤسسة صحافية أن تحصل على جوائز عدة دون أن يوجهها معلّم خبير في الصحافة!!
لم يكن يقبل الأستاذ محمد أبا حسين أن أسمِّيه عرّابي لتواضعه بينما هو في الواقع أستاذي الكبير في مهنة الصحافة.
كنت كاتبة لمقال تحليلي أسبوعي يحتل نصف صفحة في جريدة الجزيرة حينما جاء هو رئيساً لتحريرها.
ولأنه مغرم بالعمل المهني ومنفتح على شبكة الإنترنت عمل على تعزيز ذلك كون الجزيرة أول صحيفة سعودية على شبكة الإنترنت، واهتم كثيراً بدعم المرأة في العمل في الصحافة رغم عدم وجود قسم نسائي بها آنذاك.
لم تكن في الجريدة أي صحفية متفرغة وكان يريد إحياء دور المرأة في الصحافة، كانت له أفكار مميزة ربما لم يفهمها من حوله من الصحافيين لكنه كان مبتكراً ومجدداً.
كنت لا أعرف كيف أكتب الخبر الصحفي وزج بي في مجال الصحافة لأنجز تغطية صحافية عن أول محاضرة عن شبكة الإنترنت ثم أنشر خبراً عن لقاء الأكاديميات للمرة الأولى بالأميرة الجوهرة البراهيم حرم الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله.
عندما عرف أني مدعوة ككاتبة لحضور موسم الجوف الثقافي من قبل مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية طلب مني أن أغطي الحدث صحفياً ونشر التغطية تحت اسم «موفدة الجزيرة»، وكان ذلك يحدث للمرة الأولى في صحافتنا المحلية، فالموفدون دوماً كانوا صحافيين.
شجعني «أبا حسين» لإعداد ملحق صحفي بمناسبة رعاية الأميرة الجوهرة البراهيم لأول مرة حفل تخرج طالبات جامعة الملك سعود.
وفي أيام قليلة كان الملحق الصحفي جاهزاً للنشر وبه أول مقابلة صحفية للأميرة الجوهرة البراهيم وللأميرة حصة بنت سلمان بن عبد العزيز.
نقلني «أبا حسين» من الكتابة التحليلية إلى الكتابة المباشرة في عمود صحفي ونصحني بأن أكون قريبة للقارئ ولا أكتب بشكل نخبوي.
وأذكر خوفي من التجربة أن قلت له: لنجرب فقط ثلاثة أشهر، واستمر عمود مسؤوليتي منذ ذلك الوقت وحتى الآن لأكثر من عقد ونصف عقد من الزمان.
لم تكن علاقتي بأستاذي لتنتهي يوم أن خرج من جريدة الجزيرة بل كان له الفضل في فكرة أن أكون في مقابلة برنامج «خليك في البيت» مع المذيع «زاهي وهبي» بشكل مختلف، حيث حملت معي جهاز اللاب توب وكنت أشرح موقع «شبكة ناهد» الذي كان عبارة عن صحيفة إلكترونية هو من اقترح فكرتها وساعدني في إنشائها، كان هذا قبل أكثر من عقد وحين لم يكن قد ازدهرت الصحافة الإلكترونية في عالمنا العربي.
له جوانب إنسانية كثيرة يعرفها الصحافيون الذين كانوا معه في الجريدة وعلى مستوى نقاشي الصحفي معه لم يسئ يوماً إلى أي زميل أو زميلة.
لم يكن يهتم بالأضواء والشهرة، فقط كان يمارس عشقه للصحافة.
رحيل «محمد أبا حسين» فجعني فقد كانت له بصمات عدة في شخصيتي المهنية، وما كنت لأستطيع أن أفهم رموز هذا العالم بالشكل الصحيح لو لم يكن برؤاه يوجهني إلى المهنية العالية.
ليرحم الله أستاذي محمد أبا حسين ويرزقه الفردوس الأعلى ويلهم أهله الصبر والسلوان.