في مجتمع يرفض فئةٌ منه سَنّ قانون لزواج القاصرات وإدانته ليس غريباً أن تظهر فيه حالات تحرُّش بالأطفال والنساء عموماً، بالرغم من وجود الحجاب الكامل!! فلم يرَ الشاب المتحرش في طفلة المصعد بالمنطقة الشرقية حرجاً فيما فعله بها؛ إذ اعتبرها صيداً سهلاً أمامه فاقتنصها!! وبالتالي، فما أقدم عليه ذلك الشاب الشاذ هو امتدادٌ لنظرة اجتماعية قاصرة للمرأة عموماً وللطفولة خصوصاً تبعاً لمتلازمة الضعف والقصور الملصق دوماً بالمرأة والطفل، وعجزهما عن الدفاع عن نفسَيْهما!
إن المبالغة في الخوف على المرأة، والتحرز بإخفائها عن الأنظار، والمغالاة بعدم خروجها للشارع، والتضييق عليها، ورفض دخولها الدوائر الحكومية والأهلية المخصصة للرجال لقضاء شؤونها.. أفرزت سلبيات عديدة، كالتوق للنيل منها بأية وسيلة كانت، سواء بالترقيم - وهو رمي رقم الهاتف عليها أو دسه بأكياس التسوُّق من لدن البائعين - أو ابتزازها من قِبل عمالة أجهزة الكمبيوتر والاتصالات، أو استغلال حاجتها عن طريق وعدها بوظيفة!! ولئن لم تُفتح الأبواب الموصدة بالشك والريبة من المرأة وعليها فإن التلصص من النافذة بات أمراً واقعاً، واللجوء للطرق الملتوية صار مشهوداً!!
إن حصول التحرُّش وتكراره بصور مختلفة يأتي بسبب النظرة الدونية للمرأة، واستنقاصها؛ وبالتالي فرض الوصاية عليها، بدلاً من تسليحها بالثقة، وتدريبها على كيفية حماية نفسها بالطرق المناسبة، وتنشئتها لتكون شخصاً راشداً عاقلاً، تملك حُسن التصرُّف عند حصول أدنى إزعاج أو معاكسة، وهو ما ينبغي تدريب النشء عليه ذكوراً وإناثاً، في ظل تزايد حالات التحرُّش بالجنسين استخفافاً بهم واستغلالاً لجهلهم بكيفية الدفاع عن أنفسهم!!
وكيلا تتكرر حالة التحرُّش بالفتيات والأطفال، مثلما وقع بالمنطقة الشرقية مؤخراً، فإنه من الجدير تدريس الطلبة - منذ نعومة أظافرهم - خصوصياتهم الجسدية، وعدم التعدي عليها. وعلى الأسرة مسؤولية كبيرة في ذلك، من خلال تدريب أبنائها على حماية أنفسهم، وتخويفهم من التحرُّش، ورفضه، والتبليغ فوراً عند حصوله من أي شخص كان، حتى من الأقارب، وعدم الرضوخ لتهديدهم، وكذلك تهذيب أطفالهم الذكور، وتنبيههم بمغبة القيام به، وما يمكن أن يؤول إليه المتحرش من رفض اجتماعي وعقوبة قانونية.
وعلى الجهات المختصة سَنّ قانون صارم ضد المتحرشين، وحث المجني عليهم على التبليغ الفوري لمعاقبة المتحرش وردعه، ونشر الوعي الاجتماعي في شأن هذه الظاهرة السيئة التي لا تتوافق مع الشرع، ولا يقبلها الحس الإنساني السليم!