كرَّس الإعلام المحلي، مكتوباً ومرئياً، قضية لمى الروقي التي سقطت في بئر مكشوفة، وتفرغ هذا الإعلام لمحاكمة الدفاع المدني من جانب، ومن جانب آخر أطلق اتهاماته لأربع جهات متورطة في إهمال الآبار مكشوفة؛ ما يجعل الإنسان عرضة للسقوط فيها.
ورغم أهمية ذلك، ورغم قصة لمى المحزنة، إلا أن قضايا الموت، وإهدار الأرواح بشكل مخيف، هي في حوادث الطرق، وآخرها تفحُّم عشر جثث في طريق دخنة - الغيدانية بالقصيم، وصفتها جريدة الشرق بمجزرة القصيم، وهي بالفعل مجزرة، سببها الأول هذا الطريق الرديء الذي تُزهق فيه شهرياً ما يقارب عشرين روحاً، وكتبت عنه الصحافة مراراً، دون أن تتحرك الجهات المسؤولة في تعديله إلى مسارين، وغيره الكثير من الطرق في بلادنا المترامية الأطراف.
صحيح أننا في بلاد شاسعة؛ تحتاج إلى ميزانيات أكبر في مجال الطرق، لكننا نحظى - بحمد الله - بميزانية ضخمة. من الطبيعي أن نحتفل بتحويل آخر طريق ذي مسار واحد إلى مسارين؛ لأن معظم حوادث الطرق بين القرى والهجر والمدن الصغيرة تحدث بسبب الطريق الواحد، وبسبب ثقافة من يقودون سياراتهم في هذه الطرق من الفلاحين ورعاة المواشي وما شابههم؛ لذلك لا يتقيدون بقواعد السير وقوانين السلامة.
ولعل من بين القواعد المهمة للسير، التي لا يتقيد بها المتعلمون والأميون، وتحدث بسببها الحوادث القاتلة، هي السرعة، وهي التي تقتل ما يقارب 17 شخصاً يومياً، أي شخصاً كل 40 دقيقة، وتصيب أكثر من 68 ألفاً سنويًّا، وتتسبب في خسائر مادية، تزيد على 13 مليار ريال في السنة. هذا المرض المستعصي، وأعني السرعة، لم نعثر له على وصفة ناجحة؛ فقد فشل نظام ساهر الرديء؛ لأنه لم يؤسَّس بشكل سليم، وعقوباته أقرب إلى أن تكون جباية؛ فلو كانت تهدف إلى حماية المواطنين لتم نشر كاميرات مراقبة في كل مكان، وبمختلف الطرق السريعة، ومن أموال ساهر نفسها. ولو كان النظام يريد حماية المواطن لقامت دوريات الطرق السريعة بإنزال أشد العقوبات على من يلصق ورق تمويه على لوحته حتى لا تلتقطه الكاميرات على الطريق، فمن المضحك أن تمر السيارات المزورة لوحاتها، والمخفية بلاصق تمويه، دون أن يوقفها، وقت انشغاله بهاتفه المحمول. فعلى أمن الطرق، وعلى المرور، أن يدربا موظفيهما على الإحساس بالمسؤولية والمواطنة، والقيام بعملهم على أكمل وجه، وبالمعنى الشعبي (يحللوا رواتبهم) بدلاً من التجوال، والمرور بالمخالفين عياناً بياناً دون المبادرة بإيقافهم ومعاقبتهم!
متى يصبح النظام المروري عندنا، كما هو في معظم الدول، نظاماً دقيقاً وصارماً، لا نشاهد فيه متهورين يتجاوزون السرعة المحددة، ويتنقلون بين المسارات برعونة وتهوُّر، ويقطعون الإشارات، ويتسببون بكوارث مميتة، تتعرض لها مركبات بريئة، لا ذنب لها سوى القدر الذي جعلها أمام هؤلاء المستهترين!
لكل نظام مدة يتم بعدها مراجعته، وما تحقق منه من نجاح أو فشل؛ وبالتالي تقويمه إذا كانت ثمة نقاط قابلة للتعديل.. أما أن يستمر نظام ساهر متخلفاً، يعمل بسيارة تختبئ خلف شجرة أو جسر، دون أن يصحبه وضع كاميرا متطورة، وفِرق تتابع تطبيقه، فهو بلا جدوى، وستستمر المملكة إحدى أعلى دول العالم في معدلات قتلى الحوادث المرورية!