ظللنا لسنوات طويلة نبتهج بصخب حينما نقرأ عن نظام جديد، أو آلية عمل جديدة، تم وضعها لخدمة المواطن وتحقيق بعض احتياجاته، وكنا نعتقد أن الأمر سهل للغاية، فطالما تم إقراره اليوم، فهو قابل للتنفيذ غداً، ولم نكن نسمع أو نعرف ماذا تعني البيروقراطية، ونعتقد أن الفساد هو فقط الفساد الأخلاقي، ولم نظن، ولو ظناً، أن هناك أنواعا أخرى من الفساد، كالفساد المالي والإداري.
كلما تم التوصل إلى طريقة جيدة لتنظيم العمل الحكومي، خاصة ما يرتبط منه بخدمة المواطن بشكل مباشر، سعدنا وصفقنا، ورددنا في سرِّنا: يا رب لك الحمد، فرجت أخيراً. فمما لا شك فيه أن من بين أهم القرارات في السنوات الأخيرة، كان قرار إنشاء وزارة للإسكان، بعد أن وصل المواطن محدود الدخل طريقا مسدودا في تملك منزل خاص به، وبأسرته، وأصبح من المستحيلات السبع أن يمتلك منزلا دونما تحرك من قبل الدولة، لذلك كانت خطوة رائدة، وانتظر المواطنون الفقراء، والأرامل، فرصة تملك بيت العمر، لكن الانتظار طال، لأن الوزارة لا تجد أرضاً حكومية متاحة كي تبني فوقها منزلا، وتم دعم الوزارة بمئات المليارات من الريالات، وعاد المواطنون إلى خندق الانتظار من جديد، لعل وعسى أن تثمر هذه المليارات وتورق منازلا، ولكن الأمر لم يزل معلقاً، وصدر قرار آخر، صفق له المنتظرون في الخنادق، وهو أن تنتقل ملكية الأراضي الحكومية المخصصة للمنح، والتي تمتلكها البلديات وتتصرف بها على مدى عقود طويلة، إلى وزارة الإسكان، ووجد الجميع أن المسألة هانت أخيراً، لكن أن يتحدث مسؤول كبير في الوزارة، في منصب وكيل وزارة، بأن وزارته تتطلع إلى استلام جميع المخططات من وزارة الشؤون البلدية والقروية، يعني أن الأمر ليس كما اعتقدنا ببساطتنا، وقرويتنا الساذجة، أن المخططات ستصبح ثاني يوم فوق طاولة وزارة الإسكان، وفي اليوم الثالث ستوزع على المواطنين المنتظرين منحاً سكنية منذ ثلاثين عاماً وأكثر، لا ... ليس الأمر كذلك، بل أكثر تعقيداً.
ولعل هذا المسؤول نفسه، يتحدث عن آلية استحقاق المنازل التي ستكون جاهزة خلال فترة قريبة، وأن هذه الآلية لم تعتمد بعد، ولا أحد يعرف متى تعتمد هذه الآلية الخطيرة، هل يحتاج الأمر كل هذا الانتظار، هذا التمحيص، هذه المراجعة، من أجل إقرار آلية استحقاق المنازل بين المواطنين؟ لا أظن ذلك.
وليت وزارة الإسكان أولت اهتمامها بإنجاز المباني السكنية للمواطنين الحالمين، وفي المواعيد المحددة، كما هو اهتمامها بحضور المنتديات والمؤتمرات التي تروج فيها لما قامت به من أعمال، مع أن العمل الحقيقي والمنجز الحقيقي هو في استلام أول المواطنين لمنزله الخاص، أما ما عدا ذلك، فهو جزء من تقارير أداء عمل لا تهم المواطن في شيء.
لماذا تحتاج شركاتنا العقارية التي تعمل مع الوزارة كل هذه السنوات لإنجاز مشروع من عدة فلل سكنية، بينما في كثير من الدول لا يحتاج الأمر أكثر من سنة واحدة فقط، ولنقل سنتين مثلا، لا أن تمر خمس سنوات دونما مخرجات واضحة للوزارة، لا أحد يطالبها بمنافسة الصين وإنجاز مبنى في خمسة عشر يوما، لكن السنوات تمضي، والمواطن ينتظر.