فاجأنا خبر وفاة الزميل محمد أبا حسين؛ ليحرِّك فيناً كوامن الأسى، التي ما تكاد تنطفئ وندفنها وننساها بعد كل لوعة فراق لحبيب من أحبابنا حتى تتجدد مع كل وفاة لأحباب آخرين. فالزميل الفقيد استقطبته الصحافة في سن مبكرة من عمره؛ فقدم لقرائه أعمالاً صحفية جيدة ومميزة في بداياته الصحفية، وتحديداً في الزميلة صحيفة الرياض؛ إذ كان في حينها أحد أبرز صحفييها؛ لتؤهله خبرته وتميزه إثر ذلك ليكون فيما بعد نائباً لرئيس تحريرها، وليغيب - رحمه الله - بعد سنوات من عمله في صحيفة الرياض ومن ذلك الميدان الذي أحبه سنوات طويلة، لولا مبادرة مسؤولي مؤسسة الجزيرة بإيقاظه وإسنادهم له رئاسة تحرير صحيفة الجزيرة، وإن كانت لفترة لم تطُلْ كثيراً؛ فقد آثر مرة أخرى، ومن جديد، أن يتوارى عن الأنظار، وينطوي على نفسه، مفضلاً هذا الانكفاء الجميل - بنظره - على العمل الصحفي بأناسه وحراكه، وبما كان يمثله له من قبل كقيمة حفزته في بواكير شبابه على أن يدلف باب الصحافة بقوة وحيوية ونشاط.
***
لم أعمل مع الزميل أبا حسين، سواء في صحيفة الرياض أو في صحيفة الجزيرة، وإن كنا من جيل صحفي واحد، غير أني أعرف جيداً حجم مواهبه الصحفية، وجديته الدائمة لتطويرها، حتى أنه أصبح - رغم بُعده عن الصحافة الورقية - واحداً من أبرز الصحفيين الذين واكبوا التقنية الجديدة وعلم الحاسوب، وتأقلموا مع الإنترنت، وطوَّروا قدراتهم باقتحام ما يسمى بالإعلام الجديد. كل ذلك كان يتم في هدوء وسكينة، وفي غياب تام من جانبه ومن جانب الآخرين لأي مبادرة لاستثمار هذا التميُّز في شخص هذا الصحفي، الذي آثر الهدوء، وربما الانطواء عن كل ما يقربه أو يغريه للعودة مجدداً إلى الصحافة.
***
مرة أخرى، لقد كانت وفاته مفاجأة مثيرة؛ إذ لم يكن له ولا لنا ذلك التواصل المستمر؛ لنتعرف على حاله قبل أن ينتهي به المطاف إلى هذا الوداع الحزين، وكنا نعتقد - ولا نزال - أن اختفاءه في دنياه وعن زملائه إنما كان سلوكاً يرضيه، ويريحه، ويوفر له مساحة وجواً من الراحة والاطمئنان؛ وبالتالي فلا أحسب أن أحداً كان يعرف عن الفقيد أنه كان يمر بوضع صحي قد ينتهي به إلى الوفاة، فيما عدا مَن كان ملتصقاً به كأهله من إخوان وأخوات وغيرهم؛ فليعذرنا الزميل الفقيد إن كنا قد قصَّرنا في التواصل معه؛ لأن هذا لا يعبِّر عن حقيقة مشاعرنا نحوه، ومحبتنا له، واعترافنا بقيمته، وتقديرنا لمواهبه وإنجازاته الصحفية.
***
ولا بد أن من زامله في العمل، وكان لصيقاً وقريباً منه، يعرف عن الفقيد أكثر مما نعرفه، سواء في صحيفة الرياض أو في صحيفة الجزيرة؛ وعليهم أن يكتبوا عن سيرة هذه الشخصية الصحفية التي كانت تحمل الكثير من الغموض والأسرار الجميلة التي لم يُكتب عنها في حياته؛ فقد يكون فيها ما نحسبه جزءاً من تاريخ الصحافة، تُضاف إلى ما كُتب وأُرِّخ عنها؛ ليكون ضمن ما ينبغي أن يتعرف عليه المهتمون بهذا اللون من المعارف، وبخاصة طلاب الإعلام في جامعاتنا؛ فالتجارب في ممارسة العمل الصحفي تحمل الكثير من الإضافات المهمة لتاريخ صناعة الصحافة في بلادنا.
***
وربما كان من الوفاء أن يكرَّم الزميل محمد أبا حسين من صحيفتَيْ الجزيرة والرياض تحديداً، وبالأسلوب الذي يقدَّر فيه للرجل دوره الصحفي المتميز؛ فلعلَّنا بهذه الخطوة الجديرة بالاهتمام نعطيه بعض حقه، ونُنصف بمثل هذا الموقف النبيل غيره ممن عمل في هذا المجال، تحفيزاً للإبداع والتميُّز بين صفوف الصحفيين، بدءاً من محمد أبا حسين وصولاً إلى البقية الباقية الكُثر من المبدعين بين الزملاء.
***
رحم الله الزميل العزيز محمد أبا حسين، وعظَّم الله أجر أفراد أسرته.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.