«ديان فوسيه» عاشت مع غوريللا الجبال أكثر من عقد ونصف..، حتى إنها تعارفت، وعرفت كما يقال كل غوريللا بانفراد..
اغتيلت وهي في بدايات الخمسينات، وقد أقامت حملة لحماية بيئة الغوريللا الجبلية، وحمايتها من الانقراض.. وعليه قتلت ..،
لم يكن أحد يدري من قتلها في صومعتها الجبلية، حيث عاشت للحيوان باحثة، وحاضنة..
الشاهد ليس «فوسيه» بشحمها، ولحمها..
فهناك عشرات، ومئات الباحثين الاجتماعيين، والبيئيين، وعلماء الحيوان..
الشاهد هو في تناقض سلوك البشر، مع الحياة، وفيها...، مع غاياتهم المعيشية، وسلوكهم للبقاء..
مع أنها ليست من المستجدات أن يكون هناك صراع على البقاء..،
فتلك ملحمة الحياة، بتاريخها المعروف المقدَّر، وبالخفي المطوي في الغيب،..
بمخلوقاتها المدرِكة..، وبمخلوقاتها غير المدرِكة..
ويبقى للإنسان غاياته بكل حالاته، جاهلا وعالما، وبكل ألوانه، وأحواله، فوق الأرض ..حاضرتها وباديتها، مدنها وغاباتها، ..
حتى في دول متطورة، فيها أساليب الحياة متقدمة، يبقى الإنسان صيادا ماهرا على كل الجبهات، وفي كل الأحوال..!!
يتمادى به الأمر لاغتيال الأرواح من أجل منافعه، وغاياته..
و»فوسيه» ليست الأولى، ولا الأخيرة التي اغتيلت في «العتمة»، و»الغفلة»، ..
واختفى قاتلها، فردا، أو جماعة، ..ليُترك أمرُ اغتيالها رهين التكهن ..، والتخرُّص معلقةً أسبابُه، وكل التآويل عنه على جدار «غايات الإنسان»...
الحيوان حين يعتدي، يقتل الإنسان، أو يقتل حيوانا آخر، أو طائرا، أو زاحفا، أو سابحا، فدوافعه غير مُدرِكة ٍ، هي غريزية يحركها الجوع، لا العدوان..، إلا ما أمِن سلامتَه اطمأن واستأنس..!!..
إذ حين يطمئن الحيوان يلين للترويض.. فيستأنس..
بينما الإنسان الموسوم به الاستئناس، وبكامل عقله، وإدراكه، يخطط للعدوان وهو شبعٌ، وللاعتداء وهو في سكن، وللقتل وهو مقتدرٌ..!!
«فوسيه» كانت تعمل على حماية بيئة الغوريللا من المعتدين، وليسوا إلا البشر..
فذهبت في خطفة ..كأولئك الذين يذهبون ضحية نشدانهم سلامة الحياة..، وسِلم الأحياء..
لكن تبقى الحياة ولّادة،..
لن يقرض القتلةُ فيها من ينشدُ الحياةَ لمن فيها من البشر..،
ومن فيها من بقية خلق الله العظيم غيرهم ممن يسكن الجبال، والأدغال، والبحور، والصحراء، والأعشاش، والكهوف..
وتبقى منتجةً عجلةُ الباحثين، والمدركين، والإنسانيين بمفهوم الإنسانية العليا، لا إنسانية الزمن الذي غلبت فيه شقوة النفوس على المشهد..