تساؤلات عدة تدور في مخيلتي وأنا أرى بلادي تحتل المرتبة الثانية،بعد إيران، في إطار الأصول المتوائمة مع الشريعة. هذه التساؤلات يتحاشى المصرفيون السعوديون العاملون في قطاع الصيرفة الإسلامية من ذكرها علناً.فهذه التساؤلات تدور حول الدور الذي من المفترض أن يلعبه بنكنا المركزي (ساما) تجاه خلق بيئة موائمة لنمو أنشطة البنوك الإسلامية. بادئ ذي بدء،هذه البنوك لا تملك سوق نقد إسلامية، الأمر الذي جعل أموالها تهاجر إلى سوق لندن للمعادن وذلك من أجل تنفيذ صفقات المرابحات. هذا بالطبع له انعكاسات سلبية على اقتصادنا. معضلة عدم تواجد سوق نقد إسلامية كانت ستُحل جزئيا لو لم تتخارج ساما من حصتها في المؤسسة الإسلامية الدولية لادارة السيولة والتي كانت ستوفر للبنوك السعودية صكوك قصيرة الأجل (راجع الزاوية المنشورة في العدد 14859 بتاريخ 4-6-2013). لنتطرق للجانب التشريعي، هل يوجد عندنا قانون لتنظيم عمل البنوك الإسلامية؟
لكي لا يقولون أن كاتب هذه الأسطر يتجنى على بنكنا المركزي «العزيز» و هيئة سوق المال معاً، فإنه من الأفضل في هذه الحالات الاحتكام إلى لغة الأرقام. وما أفضل من أن يكون ذلك عن طريق «تومسون رويترز»، المصدر الرائد للمعلومات الذكية للشركات.
كما تعرفون فقد أطلقت الوكالة «مؤشر تطور قطاع المصرفية الإسلامية» وذلك بالتعاون مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، نافذة تمويل القطاع الخاص لدى مجموعة البنك الإسلامي للتنمية.
ويهدف هذا المؤشر إلى توسعة نطاق ما توفره «تومسون رويترز» في مجال الأبحاث والتحليلات الإخبارية والبيانات المتعلقة بالمصرفية الإسلامية، وتعزيز مساعيها الرامية إلى تطوير مقياس دقيق وموضوعي ومتعدد الأوجه لرصد تطور قطاع المصرفية الإسلامية.
ويعمل المؤشر، وهو مقياس كمي يعمل على رصد نمو الصناعة المالية الإسلامية في جميع أسواق العالم، على قياس خمس مكونات رئيسة، من بينها الحوكمة. ومن ضمن مكونات الحوكمة جزئية يتم أخذها بالحسبان تتعلق بالأنظمة و التشريعات. تخيلوا أن السعودية خرجت بنتيجة سلبية في هذه الجزئية ! وجاءت هذه النتيجة «المخجلة» بسبب ، وأنا اقتبس من بيانات رويترز، عدم وجود 1) تشريعات خاصة بالبنوك الإسلامية،2) تشريعات خاصة بالمحاسبة و التدقيق تتعلق بالمؤسسات المالية الإسلامية، 3) أنظمة خاصة بحوكمة الشريعة للمؤسسات المالية الإسلامية، 4) تشريعات خاصة لشركات التكافل و إعادة التكافل، 5) أنظمة خاصة للصكوك، 6) تشريعات خاصة للصناديق الإسلامية .
لماذا تتخذ ساما موقف «الحياد» مع البنوك الإسلامية في بلادنا؟ بمعنى آخر، عندما يوفر بنك مركزي ما في بلد إسلامي أدوات نقد تقليدية ،فمن الطبيعي أن البنوك التقليدية ستشتري هذه الأدوات من أجل إدارة سيولتها في حين أن البنوك الإسلامية ستمتنع عن هذه الأوراق المالية. وهنا نتساءل عن «المعاملة العادلة» بين البنوك العاملة في بيئة واحدة. وبالعودة لساما، أتساءل مرة أخرى عن أسباب عدم وجود إدارات خاصة بالبنوك الإسلامية ؟
لقد «تدفقت» تلك التساؤلات على مخيلتي وأنا أقرأ خبر قيام البنك المركزي المغربي بإجراء محادثات مع لجنة من الفقهاء المسلمين بشأن إنشاء هيئة شرعية مركزية للإشراف على قطاع التمويل الإسلامي الوليد في البلاد.
وستتولى الهيئة التي ستضم فقهاء وخبراء في القطاع المالي الإفتاء في شرعية الأدوات والأنشطة المالية من عدمها. وسيكون إنشاء الهيئة خطوة صوب تأسيس بنوك إسلامية شاملة في المغرب.
وهنا نطرح التساؤل الآتي وهو لماذا لم يُشكل بنكنا المركزي مجلسا شرعيا من علمائنا المحليين وذلك من أجل أن تتبع الفتاوى التي تصدرها البنوك الإسلامية حول المنتجات البنكية؟
خاتمة
إن ماذكر أعلاه ليس «نقداً من أجل الانتقاد» بل هو أقرب إلى «النقد من أجل الإصلاح».