في هذه الأيام يزداد الحديث عن اللغة العربية، ومن ذلك الحديث عن اليوم العالمي لهذه اللغة. وهذا أمر طيب ومُشجِّع. وكنت قد تَحدَّثت عنها في مقالات عديدة؛ بينها ما هي من حلقتين أو عدة حلقات. ومن تلك المقالات: مقالة نُشِرت عام 1426هـ- 2005م بعنوان “الجانب الثقافي للأمركة”. ومنها مقالة نُشِرت عام 1432هـ- 2011م في ثلاث حلقات بعنوان: “مضايقة
اللغة العربية في مهدها”. ومنها مقالة نُشِرت عام 1433هـ- 2012م بعنوان: “التأمرك في مهبط الوحي ومهد العربية”. ومنها مقالة نُشِرت عام 1433هـ- 2012م بعنوان: “شجون بين الأمركة والتأمرك”.
وكان آخر ما نشرته عنها مقالة من ثلاث حلقات أسبوعية بعنوان: “لم ينقطع الحديث عن الشعر النبطي”؛ إضافة إلى مقالة بعنوان: “مقالة الكويليت عن العربية تثير الشجن”. وقد ورد في الحلقة الثالثة من حديثي عن الشعر النبطي عبارة “يندر من المذيعين من يُعبِّر عن وجود إنسان في مكان مُعيَّن تعبيراً صحيحاً؛ بل يقول - مثلاً -: “ أثناء تواجده في الرياض”، والمراد “وجوده في الرياض”. وكان ممن له الفضل في إيضاح ذلك الخطأ الشيخ علي الطنطاوي، رحمه الله، وبيَّن أن كلمة “تواجد” من الوَجْد لا من الوجود، والفرق بين الوجد والوجود واضح.
وكان الأستاذ يوسف الكويليت، الصديق الذي أسعد وأعتز بصداقته منذ أكثر من نصف قرن، قد كتب مقالة بعنوان “المستغربون واللغة العربية”، مشيراً فيها إلى أن رجل أعمال مغربي دعا إلى جعل لغة التعليم في التعليم قبل الجامعة باللهجة المغربية الدارجة. فَعلَّقت عليها؛ مشيراً إلى تأييدي لما ذكره الصديق يوسف في مقالته المُعبِّرة عن غيرة على الفصحى. وأضفت إلى ذلك ما رأيت إضافته. ومما قلته: كما وُجِد من يدعون إلى الفرانكوفونية في المغرب العربي - وهذا مؤسف ومؤلم - وُجِد من هم على نقيض من ذلك. ففي المملكة المغربية توجد “جمعية الدفاع عن اللغة العربية” ورئيسها موسى الشامي؛ وهو أمازيغي. وفي الجزائر كان ابن باديس، رحمه الله رحمة واسعة، داعياً إلى سيادة اللغة العربية في بلاده؛ وهو أمازيغي أيضاً. وفي الجزائر الآن “جمعية حماية اللغة العربية”؛ ورئيسها عثمان سعدي؛ وهو أمازيغي. وللرئيس هواري بومدين - تَغمَّده الله برحمته - مودة راسخة في قلوب أمته العربية المسلمة؛ وبخاصة لما انتهجه بحزم وجِدِّية في سياسة التعريب ولقد آتت هذه السياسة ثمارها الجميلة على خير ما يرام. وظهر ذلك في أمور منها أنك ترى الجزائريين في المؤتمرات العلمية لا يَتحدَّثون إلا باللغة العربية الفصحى في حين يَتحدَّث المشارقة من العرب، أحياناً، باللغة العامية أو يخلطون بين العامية والفصحى.
ومما قلته، أيضاً، إذا كان رجل أعمال مغربي دعا إلى التدريس باللهجة الدارجة بدلاً عن الفصحى في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية من التعليم في بلاده - وقد فشلت دعوته بحمد الله - فإن أحد الكُتَّاب - من دول الخليج العربية، التي هي جزء من الجزيرة العربية مهبط الوحي المنزل بلسان عربي مُبين، قد دعا إلى كتابة القرآن الكريم باللغة الدارجة الخليجية بدلاً من العربية الفصحى التي أُنزل بها من رب العالمين.
ومما قرأته هذه الأيام من أحاديث عن اللغة العربية ما كتبه أستاذي الكريم الدكتور عبد العزيز الخويطر - حفظه الله - ضمن الجزء الرابع والثلاثين من كتابه اللطيف: وسم على أديم الزمن .. فقد ورد فيه تحت عنوان جانبي “نظرة في اللغة”:
“ دأب علماء اللغة العربية الفصحى على حماية لفظها، وقواعدها، وبلاغتها، ومحاولة الوقوف أمام التحريف، أو التساهل في أمر الدخيل، ووضعوا لذلك قواعد وأصولاً، وكانوا يقظين لا يبدو أمر في الأفق فيه اعتداء على جانب من جوانب اللغة إلا كانوا له بالمرصاد، وسعوا للوقوف أمامه، والتَّصدي لمن هم خلف هذه المخالفة.
واليوم كثر الهجوم على اللغة العربية، وصُمَّت الآذان عما يقوله العلماء دفاعاً عنها. فالموج عال، والريح شديدة، والسفينة ككرة بأيدي لاعبين. تأتي المخالفة، أحياناً، إما بعبث التركيب، أو خطأ في القياس، أو مخالفة للقاعدة، فيرتفع الصوت ضد ذلك. ولكن آذان المخالفين صمَّاء، وتدريجاً يقوى الخلل، ويكون هو القاعدة”.
كشف الله عن أُمَّتنا كل ما يواجهها من نكبات وويلات.